كتبت جويس الحويس في موقع JNews Lebanon
“روزماري” لا يكفي اعتبارها سرداً مسرحياً؛ هي بنية عاطفية مبنية على ذاكرةٍ متكسّرة تأخذ المشاهد من لقطات يومية إلى انهيارات نفسية مدروسة.
التجربة الاولى في الكتابة للاعلامي والكاتب إيلي مكرزل اعتمد فيها أسلوب الشظايا: ذاكرة متقطعة، حوارات داخلية، وتكرار رموز بسيطة تحول الأجساد والأشياء إلى محمولات دلالية. هذا الترابط يمنح النص قُوّة في معالجة مواضيع الفقد والمرض والعلاقات العائلية من دون لجوءٍ إلى بلاغة مفرطة، ما يزيد من صدقية الصدمة حين تصل.

الإخراج لشادي الهبر الذي قرأ النص كخريطة إيقاعية: يعرف متى يترك الصمت يتحدث ومتى يضغط على اللحظة بصرياً أو حركياً. بهذه القراءة، تتحوّل مساحة مسرح مونو الحميمة إلى غرفة بوح جماعي؛ تصميم المشهد والإضاءة المقننة تسمح بتكثيف اللحظات الداخلية، ما يجعل المشاهد أقرب إلى تجربة علاجية قصيرة داخل القاعة. اعتماد الهبر على “الهوامش” مثل الصمت، الانتظار، الأنفاس، هو ما يمنح المشهد نفحته العاطفية.
أداء بياريت القطريب ومايا يمين هو قلب العمل النابض. بياريت تحمل المشاعر بوزنٍ متناغم بين الانفعال والاحتفاظ الداخلي، ما يجعل كل ذرة ألم تبدو حقيقية، بينما مايا توازن بين الانضباط الفني والانفجار العاطفي عندما يتطلب المشهد ذلك. الكيمياء بينهما تحوّل النص من سيناريو إلى تجربة تُعايش.

لا يمكن أن نمر مرور الكرام على مشهد مايا عندما تحدثت عن وفاة الأم بمرض السرطان لحظة لم تكن مجرد تمثيل بل اعتراف جماعيّ بالوجع، بكت بحرقة، فدمعت لها عيون الحاضرين. هذا المشهد لم يكن مجرد لحظة تمثيلية بل كان فصلًا من كتاب إنساني واسع يربط الخشبة بوجدان الجمهور.
في المحصّلة، تُثبت مسرحية “روزماري” أنّ الفنّ الحقيقي لا يحتاج إلى بهرجة أو مبالغة ليصل، بل إلى صدقٍ في الكلمة وعمقٍ في الأداء وذكاءٍ في الإخراج.
عملٌ يستحق المشاهدة لكلّ من يؤمن بأنّ المسرح لا يزال المكان الأصدق للتعبير عن الإنسان والمشاعر.

