كتب جان بيار وهبه في موقع Jnews Lebanon
إسرائيل تصر على انسحاب عناصر حزب الله إلى شمال الليطاني. والشهر الماضي قبل أيام من بدء غزو بري لجنوب لبنان، قال وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، “إذا فشل العالم في سحب حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، فإن إسرائيل ستفعل ذلك”.
وعند كل مواجهة عسكرية بين إسرائيل ولبنان – على اختلاف الجهة التي تتولى القتال في لبنان – يحضر إلى الواجهة نهر الليطاني، أحد أهم الأنهار اللبنانية. فما أهمية النهر الليطاني لدى اسرائيل؟
“جغرافيا الليطاني”
نهر الليطاني هو أطول أنهار لبنان وأكبرها وأهمها استراتيجياً، حتى اعتبرته لجنة «كلاب» الاقتصادية التابعة للأمم المتحدة عام 1949 “مفتاح مستقبل لبنان”.
إذ يستفيد سكان لبنان من مشاريع نهر الليطاني للري؛ ينبع من غرب بعلبك في سهل البقاع ويصب في البحر الابيض المتوسط شمال مدينة صور. يبلغ طوله 170 كلم ينبع ويجري ويصب في لبنان. وتبلغ قدرته المائية تقريباً 770 مليون م3 سنوياً وأُقيمت عليه المشاريع والدراسات للاستفادة منه في إنتاج الطاقة الكهرومائية وتأمين مياه الري والشرب للبقاع والجنوب والساحل بهدف تنمية القطاع الزراعي والكهربائي وللحد من النزوح والهجرة.
“الليطاني شهية الاسرائيلين”
نهر الليطاني دائما ما فتح شهية الاسرائيلين للوصول اليه، فكان هدفهم المعلن في كل حروبهم مع لبنان تأمين جنوب النهر ودفع “الحزب” الى شماله. ففي مؤتمر باريس للسلام عام 1919 الذي انهى الحرب العالمية الاولى، حضر حاييم وايزمان وديفد بن جوريون وقدما خريطة الحدود الاسرائيلية التي يرغبان في انشائها.
وكانت حدودها شمال نهر الليطاني، إلا ان اتفاقية سايكس بيكو أحبطت طموح الرجلين. فهل رئيس الوزراء الاسرائيلي بينيامين نتنياهو يحقق ما حلم به اسلافه عام 1919؟
“تراجعوا إلى ما وراء الليطاني”
اجتاحت إسرائيل عام 1978 للمرة الأولى جنوب لبنان، وأطلقت على حملتها العسكرية اسم “عملية الليطاني”، التي أتت رداً على “عملية كمال عدوان” التي نفذها مقاتلون فلسطينيون من منظمة التحرير الفلسطينية، عندما تسللوا إلى إسرائيل عبر البحر وسيطروا على حافلة مدنية تقل إسرائيليين، ما أسفر عن مقتل عشرات الإسرائيليين.
إذ سعت إسرائيل ضمن هذه العملية لتدمير مواقع منظمة التحرير الفلسطينية الواقعة جنوب النهر ودفع عناصر المنظمة وراء النهر. وسيطرت أيضاً خلال العملية على مناطق في الجنوب اللبناني وبقيت هناك حتى عام 2000، عندما انسحب الجيش الإسرائيلي إلى ما وراء الخط الأزرق.
وفي عام 1982 اجتاحت إسرائيل جنوب لبنان حتى وصلت بيروت وحاصرتها بذريعة “التصدي لقذائف الفصائل الفلسطينية”، وردّاً كذلك على محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي، شلومو أرغوف، في بريطانيا. وخلال تلك الفترة ظهر اسم حزب الله كـ”مقاومة إسلامية”.
وفي عام 2006، كان حزب الله قد عزز من وجوده في المناطق المحيطة بالنهر، واستطاع في هجوم عبر الحدود أن يقتل ثمانية جنود إسرائيليين ويحتجز اثنين وطالب بتبادل للرهائن مع إسرائيل، ما أدى إلى اندلاع حرب شاملة بين الجانبين عُرفت بـ “حرب تموز” (حسب التسمية الشائعة في لبنان) أو “حرب لبنان الثانية” (وفق التسمية الإسرائيلية). ما غاية إسرائيل في دفع حزب الله إلى ما وراء النهر؟
صرح العميد المتقاعد، خليل الحلو، لبي بي سي “تستطيع إسرائيل صدّ صواريخ مثل قادر1 وفاتح 110 وغيرهما من خلال منظومة القبة الحديدية ومقلاع داود ومنظومة آرو 3، لكن حزب الله استخدم بنجاح خلال الحرب صواريخ مضادة للدروع من نوع كونكورس وكورنيت وألماس، وهذه يبلغ مداها 2- 8 كيلومترات، ولا يمكن لمنظومات الدفاع الصاروخي التصدي لها؛ لذلك تريد إسرائيل إبعاد الحزب وإخراج الصواريخ عن مدى رمايتها، إضافة إلى خلق منطقة عازلة لتأمين شمال إسرائيل”.
وعن سيناريوهات المرحلة القادمة يقول العميد المتقاعد خليل الحلو، للموقع نفسه، إن “الحرب ستنتهى بإحدى طريقتين: إما الحسم والنصر أو المفاوضات والتنازلات التي تشمل انسحاب الحزب إلى شمال الليطاني وعدم تسليح الجنوب وتوقف إسرائيل عن خرق المجال الجوي والبحري والبري للبنان، إضافة إلى وقف مسلسل الاغتيالات”.
أما اللواء المتقاعد هلال الخوالدة، فيرجح أن “إسرائيل تسعى من خلال إبعاد حزب الله إلى توسعة مجالها الجغرافي والوصول إلى مصادر المياه، إضافةً إلى حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط”.
الليطاني بعين إسرائيل
الموقف الرسمي الإسرائيلي هو الإصرار على انسحاب “حزب الله” إلى ما وراء نهر الليطاني، حيث تقترح تل أبيب انتشار الجيش اللبناني وقوات يونيفيل بالمنطقة ما بين الحدود وجنوب النهر.
تزعم إسرائيل ان الغاية من ذلك هي إبعاد الحزب عن حدودها ومنعه من تهديد أو استهداف المستوطنات الشمالية وجعل المنطقة منزوع السلاح كما نص القرار الدولي 1701 وجعل السلطة فيها فقط للجيش اللبناني وقوات اليونيفيل، فهل هناك من مخطط مبطن بوجه حماية المسوطنات؟
وفي مقابل تصعيدها الأعنف مع استمر انطلاق صفارات الإنذار في المستوطنات الإسرائيلية قرب الحدود مع لبنان، إثر إطلاق “حزب الله” عشرات الصواريخ على مواقع عسكرية ومستوطنات، بينها مدينة حيفا وتل ابيب.
هل يقبل حزب الله الانسحاب إلى شمال الليطاني؟
وفق ما تقدم، فإن تسارع الاحداث، يمكن أن تساهم في قبول “الحزب” بالانسحاب والتراجع، فهو تعرض لنكسة استراتيجية بعد اغتيال أمينه العام حسن نصر الله وقادته من الصف الأول والثاني، إضافة إلى تدمير مخازن ذخيرته وتهجير حاضنته الشعبية من قراها ومدنها.
ومن هنا، لا يجب التعويل على الضربة الإيرانية التي استمرت لساعتين ومن غير المرجح أن تتكرر قريباً، كما لا يجب التعويل على المقاومة التي يبديها حزب الله في الجنوب – والتي أنزلت خسائر بالإسرائيليين – لوقف الحرب، فالحرب لا تتوقف عند أول إصابة.
في الختام، وعلى الرغم من تطور وتسارع الاحداث هل ستبقى حدود لبنان 10452 كلم2 ومع استمرار الغارات التي ينفذها الطيران الحربي الاسرائيلي هل سيكون هناك ترسيم للحدود؟ أم هناك معادلات إقلمية دولية ستولد قرار واتفاقات جديدة على أرض لبنان وهل سيبقى لليونيفيل دور في حفظ السلام؟ كل هذه الاسئلة تبقى رهان الوقت ليجيب عليها.