كتب شربل الصياح في موقع JNews Lebanon
خلال الحرب الباردة ، كان هناك محوران متنافسان، الشرقي والغربي. غير أن حرب ٧ تشرين أثبتت أن المحور الأميركي هو الذي يهيمن الآن على المشهد العالمي.
منذ اندلاع الحرب في ٧ تشرين ، أدّت الهجمات الإسرائيلية على رفح و غزة إلى زعزعة الأوضاع في المنطقة وكشفت عن ثغرات غير متوقعة في الاستراتيجيات العسكرية لحزب الله ، الذّي قام بدوره في ٨ تشرين إلى فتح ” جبهة إسناد ” ، لم يُذكر له تحقيق أي نوع من ” إسناد ” لغزّة أو رفح . بل كانت أكثر من نوع جبهة ” تضامن ” معيارها الخسائر الذّين تكبدّهما الإثنان .
الحزب ، الذي يُعتبر لاعبًا رئيسيًا في توازن القوى بالشرق الأوسط ، يبدو اليوم أضعف من أي وقت مضى . الضربات الإسرائيلية الدقيقة ، من استهداف كبار قادة حزب الله ، إلى تفجير أجهزة ” البايجر ” بخطوة تكنولوكية غير مسبوقة ، ألحقت ضررًا كبيرًا بِبنيته و بالتنظيم وزعزعت هياكله القيادية . هذا التغير يفتح الباب أمام تصعيد جديد من قبل نتنياهو (الذّي صدرت بحقّه مذكّرة توقيف من محكمة العدل الدّولية ، عقب اتّهام إدارته بممارسة ” إبادة جماعية ” في غزّة ) والذي قد يصبح أمرًا لا مفر منه، ما يشكل تهديدًا جيوسياسيًا كبيرًا للمنطقة.
عمليات اغتيال كبار القادة في حزب الله لا تمثل أحداثًا فردية، بل تدل على تحول استراتيجي في السياسة العسكرية الإسرائيلية. فإسرائيل لم تعد تكتفي بالعمليات المحدودة ، بل تسعى الآن إلى استهداف رؤوس التنظيم لضمان تراجع قدراته قبل أن يتمكن من الرد بفعالية . تصعيد إدارة نتنياهو يبدو وكأنه جزء من خطة أوسع لتغيير قواعد اللعبة، في وقت يزداد فيه احتمال اندلاع صراع أشمل.
في خطاب ألقاه حسن نصر الله أمس ، بدا جليًا أن حزب الله يمر بمرحلة ضعف. رغم تصريحاته العالية السّقف ، إلا أن الخطاب اتسم بالحذر والتردد، مما يعكس أن الحركة ليست في وضع يسمح لها بالمجابهة العسكرية الشاملة. نصر الله يدرك تمامًا أن أي تحدٍ مباشر لنتنياهو دون ” ضبط إيقاع ” واضح من الأميركيين قد يكون كارثيًا. هنا تظهر أهمية دور إدارة بايدن هاريس . حزب الله وإيران يعوّلان على فوز إدارة هاريس – والز في الانتخابات الرئاسية القادمة عام ٢٠٢٤ ، تدعم بدورها صعود حزب العمّال الإسرائيلي ، الذي يتبنى نهجًا أقل تصعيدًا تجاه حزب الله ، فتتغيّر المعادلة . ومع ذلك ، يبقى هذا السيناريو غير مؤكد ، ويعكس تردد حزب الله انتظارًا لنتائج الانتخابات الأميركية.
أما إيران، الحليف الرئيسي لحزب الله، فهي بدورها تلتزم سياسة الصمت الاستراتيجي منذ بدء هذا الصراع. هذه التهدئة تعكس رغبة إيران في انتظار تطورات المشهد السياسي الأميركي. طهران، مثل حزب الله، تراهن على فوز هاريس – والز في الانتخابات المقبلة، ما قد يفتح المجال لإنهاء مسيرة إدارة نتنياهو السياسية، التي دخلت في خلافات كبيرة مع واشنطن.
أضف إلى ذلك ، أنّ خلال الحرب الباردة ، كان هناك محوران متنافسان، الشرقي والغربي. غير أن حرب ٧ تشرين أثبتت أن المحور الأميركي هو الذي يهيمن الآن على المشهد العالمي و المشهد الشّرق الأوسطي بشكل خاص . ومع تصاعد التوترات في الشرق الأقصى، وتحديدًا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ حيث تايوان وبحر الصين الجنوبي، يسعى الأميركيون لتعزيز نفوذهم في المنطقة لمواجهة التوسع الصيني. في هذا السياق، تأتي أهمية استكمال مشروع “الممر الهندي” الذي يربط الهند بدول الخليج.
الممر الهندي، الذي تسعى الولايات المتحدة لإنجازه بالتعاون مع الهند ودول الخليج ، و إسرائيل ، يشكل جزءًا من استراتيجيتها الاقتصادية والسياسية لاحتواء النفوذ الصيني المتزايد. هذا الممر ليس مجرد مشروع بنية تحتية، بل هو وسيلة لتعزيز التجارة والتعاون الاقتصادي بين آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، بعيدًا عن المبادرة الصينية المعروفة باسم “الحزام والطريق”. من خلال هذا المشروع، تسعى واشنطن لتعزيز ارتباطها بدول الخليج ومنافسة الهيمنة الاقتصادية للصين في المنطقة.
إتمام هذا المشروع يخدم مصالح الولايات المتحدة على عدة مستويات.
أولاً، يعزز التعاون الاقتصادي مع دول الخليج، التي باتت تشكل عنصرًا رئيسيًا في المعادلة الجيوسياسية. وثانيًا ، يعزز موقع الولايات المتحدة كقوة اقتصادية في الشرق الأوسط، ما يحد من قدرة الصين على التوسع في المنطقة.
ثالثًا، قد يكون هذا المشروع جزءًا من الجهود الأميركية لدعم الاستقرار الإقليمي، في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط توترات متزايدة ، البعض منها و بصورة خاصة إدارة نتنياهو قد خرجت عن سطوتها.
في هذا السياق، قد يشهد المستقبل تقاربًا سياسيًا بين إيران وحزب الله من جهة، وإدارة بايدن-هاريس وحزب العمل الإسرائيلي من جهة أخرى. هذا التحالف غير المعلن قد يسهم في إنهاء الحرب الحالية وتخفيف التوترات الإقليمية، مع إقصاء نتنياهو من المشهد السياسي. إلا أن هذا السيناريو يعتمد بشكل كبير على نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، مما يجعل الترقب سيد الموقف.
فالسؤال الأبرز اليوم : هل سيتجرأ نتنياهو و يتحدّى الإدارة الأميركيّة مرّة أخرى ، قبيل الإنتخابات الرّئاسية ؟