جاء في الجريدة:
انتقل لبنان إلى مرحلة جديدة، عنوانها الدخول في مسار حصر السلاح بيد الدولة. ونجحت الحكومة اللبنانية في اتخاذ قرار سحب السلاح وتكليف الجيش اللبناني العمل على إعداد خطة للآلية التنفيذية خلال هذا الشهر، على أن يكون تطبيقها من الآن وحتى نهاية السنة الحالية. ما فعلته الدولة اللبنانية، للمرة الأولى، هو نزع أي شرعية عن سلاح حزب الله، على أن يستكمل النقاش في بنود الورقة الأميركية في جلسة اليوم، وسط ترقّب لما سيكون عليه موقف حزب الله وحركة أمل، علماً بأن الحزب رفع السقف في مواجهة هذا القرار، واعتبر ورقة الموفد الأميركي توم برّاك ورقة أميركية.
عملياً، فإن قرار الحكومة يرتبط بتحديات كثيرة من بينها كيفية التنفيذ ومدى قدرة الجيش اللبناني على تحقيق ما جرى إقراره، علما بأن لبنان كان قد تعرّض لضغوط دولية كبيرة للخروج بهذا القرار، وإلى جانب هذه الضغوط، استُعيدت معادلة برّاك بشأن العصا والجزرة، فكانت عصا الضغوط حاضرة، وإلى جانبها جزرة المساعدات وإعادة الإعمار وإجبار إسرائيل على الانسحاب بعد الوصول إلى المرحلة الثالثة من مراحل سحب السلاح، لا سيما أن المراحل موزعة على 120 يوماً، على أن تبدأ من بداية شهر أيلول المقبل، فتكون المرحلة الأولى على 30 يوماً، لسحب السلاح شمال «الليطاني» والسلاح الثقيل، أي الصواريخ، إضافة إلى المسيّرات، وبعدها يتم الانتقال إلى المرحلة الثانية التي تمتد من 30 إلى 60 يوماً لاستكمال عمليات سحب السلاح وانتشار الجيش شمال نهر الليطاني، أما المرحلة الثالثة فتمتد من اليوم الـ 60 إلى الـ 90، والتي يتم العمل فيها على سحب السلاح من البقاع وبيروت وضواحيها، في مقابل بدء إسرائيل بالانسحاب من النقاط التي تحتلها، وأما المرحلة الرابعة فتكون مخصصة لإطلاق سراح الأسرى وإتمام لبنان عملية سحب السلاح بالكامل. على أن يتم الدخول في مفاوضات لترسيم الحدود نهائياً مع إسرائيل ومع سوريا، إضافة إلى عقد مؤتمر لمساعدة لبنان وإطلاق مسار إعادة الإعمار. لا ضمانات بوقف الاعتداءات والضربات الإسرائيلية طوال هذه الفترة، كما أن التحدي الأساسي أمام لبنان يتصل بالتنفيذ، خصوصاً أن حزب الله لا يوافق على هذا المسار حتى الآن، بينما الجيش يفترض أن يعرض خطته وما يعترضها من صعوبات ومعوقات، إضافة إلى الحاجة للكثير من المساعدات المالية والعسكرية واللوجستية، كي يتمكن من ذلك، إلى جانب القرار السياسي.
وبالتأكيد أن حزب الله لم يكن في وارد الوصول إلى مثل هذا القرار الذي صدر عن الحكومة، لأنه عملياً يسحب عنه الشرعية، علماً بأن أمينه العام نعيم قاسم شدد على أن المقاومة جزء من الدولة وحقها مكفول في الدستور. وعندما يعلن قاسم ذلك، بشكل معطوف على أهمية الحوار والتوافق بين اللبنانيين، والدخول في استراتيجية دفاعية أو استراتيجية أمن وطني، فهو يفتح الباب على مكان آخر، لا يمكن أن يوافق فيه على سحب الغطاء عن الحزب، لذا فإن الربط بين الدستور و»الطائف» والاستراتيجية الدفاعية، قد تحمل مؤشراً حول نقاشات جدية حول إدخال تعديلات على الطائف من قبل حزب الله والحصول على ضمانات أمنية وعسكرية ومكاسب سياسية قد تفتح الباب أمام المطالبة بتعديل دستوري، أو بدمج القوة العسكرية التي يمتلكها الحزب ضمن المؤسسات الرسمية للدولة، خصوصاً أن قاسم شدد على مسألة استفادة لبنان من القوة التي يمتلكها حزب الله، وهذا لا يزال مرفوضا لبنانياً. وفي بيان شديد اللهجة، أعلن «حزب الله» أنه سيتعامل مع قرار تجريده من سلاحه «كأنه غير موجود»، متهما حكومة سلام بارتكاب «خطيئة كبرى». واعتبر الحزب أن «ما قررته الحكومة هو جزء من استراتيجية الاستسلام، وإسقاط صريح لمقومات سيادة لبنان، وإطلاق يد إسرائيل للعبث بأمنه وجغرافيته وسياسته ومستقبل وجوده».
واعتبر الحزب أن القرار جاء «نتيجة إملاءات المبعوث الأميركي» براك، وقال إنه «يُحقق مصلحة إسرائيل بالكامل، ويجعل لبنان مكشوفا أمام العدو الإسرائيلي من دون أي ردع». في المقابل، شدد وزير الخارجية، يوسف رجي، على أن قرار الحكومة بشأن حصر السلاح حاسم ونهائي، ولا عودة إلى الوراء، مؤكداً أنه جاء أولاً تلبيةً لتطلعات الشعب اللبناني وللمجتمعَين العربي والدولي. وبينما اعتبر حزب القوات أن جلسة الثلاثاء وضعت لبنان على سكة العودة إلى دولة فعلية وطبيعية، اتهمت حركة أمل الحكومة بالعمل عكس خطاب القسم، مؤكدة أن جلسة الغد فرصة للتصحيح وعودة إلى التضامن اللبناني كما كان.

