كتب طوني جبران في “المركزيّة”:
عشية الاستشارات النيابية الملزمة التي دعا إليها الرئيس المنتخب للجمهورية العماد جوزف عون، بدأت تتظهر ملامح المواجهة المحتملة بين الرئيس نجيب ميقاتي والنائب فؤاد مخزومي في ظل وجود مرشحين آخرين قدموا ترشيحاتهم لهذه الغاية في ظاهرة لم يعرفها لبنان من قبل. ومنهم النائبان اشرف ريفي الذي اعلن ترشيحه قبل ايام ومن بعده اول امس النائب ابراهيم منيمنة الذي اقدم على الخطوة عينها من دون اهمال من يسعى الى خوض هذه التجربة بخطوة مماثلة ما زالت في الكواليس ومن بينهم وزيرا الداخلية بسام المولوي والاقتصاد امين سلام.
وعلى هذه الخلفيات، كشفت مصادر نيابية مطلعة لـ “المركزية” انه وفي ظل فقدان اي مرشح من خارج الناديين الحكومي والنيابي. ذلك انه لم يتلمس احد ان لدى الرئيس المنتخب او أي مرجعية اخرى اي اسم مرشح لتولي تشكيل الحكومة كما كان يعتقد البعض. فمنطق الصفقات المتكاملة كان قد عبر لمجرد طرح اسم قائد الجيش في ظل “الطحشة الدولية” التي قدمته مرشحا وحيدا ليس بهدف الغاء الآخرين، بل لسبب اهم يعود الى عجز اي تكتل نيابي عن التوصل الى مرشح جامع ادى الى التوافق عليه مخرجاً وحيداً يستوفي الشروط الداخلية قبل الخارجية. ولم تصل الامور في المرحلة الى اي طرح يطال موقع رئاسة الحكومة وإن كانت الوشوشات المحلية قد اشارت الى رضى خارجيا خليجياً واوروبيا وربما اميركياً على إداء ميقاتي على الرغم من مجموعة الملاحظات الداخلية التي لا مجال لإحصائها.
وانطلاقا مما تقدم ترى المراجع العليمة ان حركة الاتصالات والمشاورات اشتدت وتكثفت فإن الساعات الفاصلة عن استشارات الغد لم تنبئ بأي توافق على اسم جديد قد يشكل مفاجأة ما. وان كانت موجة الترشيحات قد قدمت النائب فؤاد مخزومي منافساً محتملا لميقاتي بعدما رشحته كتل نواب المعارضة بما تجمعه من النواب الـ 31 وسط حديث ليس دقيقاً عن “زعل” قد حدث مع النائب أشرف ريفي الذي رغب بأن يكون مرشحها. فالجميع يدرك المصاعب التي تواجه المعارضة بإيصال مرشحها الى السراى الكبير لأكثر من سبب. وان كانت رغبات الرأي العام لا توحي بأنها ستكون راضية بعودة ميقاتي في ظل التغيير الهائل الذي احدثه وصول العماد عون الى قصر بعبدا ولكن ذلك ليس كافيا لإرضاء اكثرية اللبنانيين الطامحين الى تغيير شامل على مستوى اهل الحكم على صعوبته لا بل استحالته بهذه السرعة الخيالية التي يتمناها كثر.
وإن قال قائل من أركان المعارضة أن ميقاتي ومخزومي ينطلقان من قاعدة شبه متساوية، فإن ذلك ليس دقيقاً. فالأمور لا تقف في السباق الى السراي بين كتلتي “امل” و”حزب الله” ومعهما حلفاء من النواب المستقلين ومنهم جهاد الصمد وجورج بوشكيان الخارج من كتلة الارمن النيابية واعضاء كتلة الإعتدال الوطني، فان مخزومي وان انطلق بما يساوي قوة الثنائي الخالصة دون مؤيديها فانه يحظى بتأييد عدد من النواب المستقلين والتغييريين على الرغم من وجود مرشحين من بينهم أشرف ريفي وابراهيم منيمنة فانهما قد يتراجعان في الساعات المقبلة. كما انه يحظى بتأييد عدد من النواب المتفرقين بحيث انه قد يتساوى وحصة ميقاتي من كتلتي الثنائي والإعتدال دون غيرهما.
والى هذه المعادلة التي ظهرت واضحة، فإنها لن تكون نهائية، ذلك ان هناك قوى أخرى لها حصتها وموقعها فكتلة اللقاء الديمقراطي قد تكون على الأرجح الى جانب ميقاتي بالنظر الى حجم الخدمات التي أداها في الفترة الاخيرة وخصوصا في ميدان التربية ورئاسة الأركان في الجيش، وان كان تكتل لبنان القوي خارج اي تصنيف بين ميقاتي ومخزومي كما نقل عن أحد نوابه فان رئيس التكتل النائب جبران باسيل أوحى قبل أيام انه سيسمي نواف سلام هو ما يضعه خارج لعبة المنافسة الآنية بين المرشحين الجديين.
وإلى هذه الملاحظات تبقى الإشارة واضحة إلى ان بيضة القبان التي تميز بين ميقاتي ومخزومي موجودة في “خزان النواب السنة” وهو امر ينتظر موقفا من النائب فيصل كرامي ليكمل في بناء مجموعة الاكثرية السنية التي صوتت لعون وان بقيت على تضامنها ستكون على الارجح الى جانب الموقف السعودي ان ثبت انه يؤيد بقاء ميقاتي في السرايا من عدمه.
وعلى هذه الصورة الفسيفسائية النيابية، تبقى حظوظ ميقاتي متقدمة على باقي المرشحين ولن يزعجه سوى مخزومي ،ان بقيت المعارضة على موقفها الموحد ولم يتفرد بعض النواب المستقلين بتسمية نواف سلام كما هدد بعضهم. ولكن السؤال المطروح هل يمكن تقديم ميقاتي بصورة جديدة متمايزة عن “الثنائي الشيعي” ام أنه سيبقى غارقا في مستنقعها تعويضا عن خسائرها في انتخابات رئاسة الجمهورية فعندها ستكون تسميته بنسبة ضعيفة ومن ضمن الحد الأدنى المتوفر، ولكنها ستكون كافية وضامنة لبقائه في السرايا على ان يتعهد أمام عون واللبنانيين بأنه سيجهد لتقديم صورة جديدة عنه لا تتلاقى والمواقف الجامدة والمحنطة السابقة وخصوصاً في مجالات الاصلاحات المالية والنقدية ومصير ودائع اللبنانيين والسوريين وغيرهم من المودعين العرب الى ما هنالك من استحقاقات كبرى امنية وسياسية وديبلوماسية، فوجود رئيس الجمهورية قد يخفف من مسؤوليته المحرجة تجاه اكثرية اللبنانيين الراغبين ببناء الدولة القوية والعادلة انسجاما مع ما جاء في بيان القسم لئلا يبقى المهم منه حبراً على ورق.