لم يعد جزء كبير من المتابعين مقتنعا بان “حزب الله” يرغب بالتصعيد في الجبهة الجنوبية، وهناك نوع من الاعتقاد المتزايد بأن الحزب سيكتفي بالمستوى الحالي من الاشتباك، وسيحاول ألا ينزلق الى حرب مفتوحة في ظل الرغبة الاسرائيلية بتوريط المنطقة بالحرب. لكن هذه القناعة، بحسب مصادر مطلعة ليست في محلها، اذ ان القرار بالتصعيد في حال اقتراب تل ابيب من الخطوط الحمراء التي مرّ الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بجانبها في خطابه الاخير، محسوم ونهائي.
قبل خطاب نصرالله المرتقب السبت المقبل، يراقب”حزب الله”بشكل وثيق التطورات الميدانية في غزة ومدى تقدم القوات الاسرائيلية وحجم الخسائر التي تتكبدها، وقدرات المقاومة الفلسطينية على الصمود والتماسك، اذ ان طبيعة خطاب السيد ستحدد وفق المعطيات الميدانية، على اعتبار أن سقوط غزة او اخراجها من المعادلة ليس خيارا مطروحا حتى لو ادى الى حرب اقليمية.
حتى اللحظة تبدو حماس متماسكة عسكرياً وهذا ما يجعل قدراتها الميدانية تفشل عمليات التقدم الكبير للجيش الاسرائيلي، لكن بالتوازي مع ذلك، هناك مؤشر خطير له وجهان،الاول قرار الجيش الاسرائيلي بتحمل خسائر مادية وبشرية والاستمرار بالعملية البرية مهما كلفت، وهذه عقيدة مستجدة لدى الاسرائيليين الذين يفضلون عدم دفع أكلاف عميقة في الحروب، أما الثاني فهو القرار السياسي الاسرائيلي بعدم الخضوع للضغوط الاميركية والشعبية ووقف اطلاق النار.
كل ذلك يوحي بالمسار الذي قد تأخذه الامور في الايام والأسابيع المقبلة، لذلك يصبح انخراط “حزب الله” المتزايد في الحرب امراً واقعيا وغير مستبعد، وقد تظهر مؤشراته الجدية بعد خطاب السبت لنصرالله، وهنا لا بد من الاشارة الى ملاحظتين، الاولى تصريح وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان الذي اوحى بأن الولايات المتحدة الأميركية تماطل وتتحايل ولا تريد عمليا وقفاً لاطلاق النار، وان كل حراكها السياسي محاولة لتأمين مزيد من الوقت لتل ابيب من دون انخراط حلفاء حماس بالمعركة.
أما الملاحظة الثانية فهي زيادة انخراط قوات برية اسرائيلية في الميدان في غزة، وهذا يتبعه استخدام متزايد لاحتياطات الاسلحة والصواريخ الاميركية، ما يعني أن لحظة تدخل “حزب الله”، إن حصلت، ستكون مرتبطة بلحظة اللاعودة للجيش الاسرائيلي من غزة، اي ان تدخّل الحزب سيكون في مرحلة لا يكون فيها الجيش الاسرائيلي قادرا على الانسحاب من القطاع بسبب حجم انخراطه بريا فيه، ما يفتح بابا كبيرا للاستنزاف الذي بدأت مؤشراته تظهر منذ اليوم الاول.
من هنا يصبح الهدوء النسبي الذي ظهر امس عند الحدود الجنوبية جزءا من مسار المعركة وليس قاعدة او مؤشرا لما هو قادم، خصوصاً وأن “حزب الله” يتعامل بالحدة ذاتها مع كل الوساطات والاتصالات التي تحاول اقناعه بعدم الجنوح نحو المواجهة الميدانية في ظل استمرار العدوان على غزة، كما ان تصريحات قادة حماس وتحديدا المقربين من الحزب توحي بأن التصعيد الكبير بات على بعد إشارة لا أكثر.