تُظهر العودة إلى أرقام سعر الصرف في السنوات الثلاث المنصرمة أنّ الدولار كان يقفز كلّ سنة بين 17 و20 ألفاً، وهذا يعني أنّ وصول الدولار إلى نحو 75 ألفاً مع نهاية العام المقبل لن يكون أمراً مستبعَداً، برغم كل “الإجراءات” التي يتخذها مصرف لبنان من أجل الحد من وقع الارتفاع.
فمنذ بداية عام 2019 حتى نهايته (انطلاق ثورة 17 تشرين الأول) قفز الدولار من 1,507 ليرة إلى 2,150 ليرة، أي بزيادة تقارب 35%، لكنّ الاستثناء كان في عام 2020 الذي شهد خلاله سعر الصرف قفزة مخيفة، مع وصوله إلى نحو 8,500 ليرة، أي بزيادة بلغت 4 أضعاف تقريباً ما كان عليه في العام الذي سبقه. ثمّ عاد في عام 2021 إلى الارتفاع 3 أضعاف بالغاً نحو 26,000 ليرة، وفي العام المنصرم قفز نحو 26,000 ليرة، وفي العام المنصرم قفز نحو الضعف مقترباً أكثر وأكثر من عتبة 50 ألفاً… فكيف كانت خارطة سعر صرف الدولار خلال العام المنصرم؟
– كانون الثاني: 20,000 ليرة
منذ الساعات الأولى على دخولنا السنة الجديدة، لم يسلم سعر صرف الدولار من “حمّى” الارتفاع، وذلك بفضل تطبيقات الهواتف التي زاد تأثيرها في السوق. كان ارتفاع الدولار ناريّاً مع بلوغه عتبة قياسية جديدة، إذ اقترب من 30 ألفاً. لكنّ التعميم 161، الذي قضى بدفع الرواتب والمستحقّات عبر المصارف بالدولار الأميركي وفتح منصّة “صيرفة” أمام المواطنين “بلا سقف”، ساهم في خفضه لاحقاً بنحو 10 آلاف ليرة تقريباً.
– شباط: 20,600 ليرة
واصل سعر الصرف انخفاضه إلى حدود 20 ألف ليرة أو أكثر بقليل، وذلك نتيجة الإجراء الذي اتّخذه مصرف لبنان منتصف كانون الثاني، بائعاً ما يقترب من 500 مليون دولار في السوق عبر “صيرفة”. وقد استطاع هذا الانخفاض أن يعطّل المضاربات بشكل كبير، لكن ليس لوقت طويل، خصوصاً أنّ المواطنين عادوا إلى الاقتصاد في صرف دولاراتهم وعدم التفريط بها.
– آذار: 23,000 ليرة
لم يسلم الدولار من حمّى الملفّ القضائي للأخوين رياض ورجا سلامة. يومذاك تحوّلت البلاد كلّها إلى رهينة نتيجة الشدّ والجذب بين سلامة و”العهد”. الرهان على عودة الدولار إلى الارتفاع كان وسيلة سلامة الأمثل من أجل الضغط على القضاء والسلطة السياسية، فأُوقف العمل بـ”السقف المفتوح” عبر منصّة “صيرفة”، وقُنّنت الدولارات، ثمّ أُطلقت يد الدولار فارتفع مجدّداً وصولاً إلى ما فوق 25 ألفاً، لكن سرعان ما عاد إلى محيط 23 ألفاً، وذلك نتيجة “تسوية” أدّت إلى ضبضبة الملفّ.
– نيسان: 26,000 ليرة
أطلقت الحكومة “خطة التعافي”، وحاولت “تهريبها” تحت جنح الظلام، لعلمها المسبق بأنّها ليست إلّا مجموعة أفكار ونوايا. قدّرت الخطة الخسائر بنحو 72 مليار دولار، (ما يزيد على 300% من تقديرات الناتج المحلّي الإجمالي للعام 2021)، وأوصت بشطب التزامات مصرف لبنان تجاه المصارف، وهذا خلق جوّاً متوتّراً بين المصارف والسلطة أدّى إلى ارتفاع سعر الصرف على نحو كبير، لكن بالتدريج. إلا أنّ تنفيذ “الشطب” لم يتمّ بانتظار قرار الحكومة الجديدة.
– أيّار: 37,000 ليرة
كان سعر الدولار قد اقترب أكثر وأكثر من عتبة 40 ألفاً. لكنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة استطاع أن يلجمه بشكل غير مسبوق، وبنحو 10 آلاف ليرة، بعد إعلانه استئناف بيع الدولارات للمواطنين عبر منصّة “صيرفة”. انتهى الشهر على 30 ألف ليرة.
– حزيران: 28,400 ليرة
إجراءات سلامة مع تدفّق الدولارات إلى الداخل اللبناني في موسم السياحة وبدء توافد اللبنانيين من الخارج، ساهمت كلّها في خفض سعر صرف الدولار إلى نحو 28 ألفاً، لكن مع دخولنا في الشهرين التاليين من فصل الصيف، عاد الدولار إلى الارتفاع، بعدما وجد مصرف لبنان أنّ تلك الدولارات تمثّل فرصة يستطيع من خلالها تعزيز موجوداته من العملة الصعبة.
– تمّوز: 29,125 ليرة
كان الحدث الأبرز خلال هذا الشهر هو توجّه المدّعية العامّة في جبل لبنان غادة عون إلى مصرف لبنان في الحمرا، بمرافقة عناصر من “أمن الدولة”، وذلك للبحث في أروقة المصرف وغرفه عن سلامة. بعد تلك الحادثة نفّذ موظّفو “المركزي” إضراباً دام 5 أيام، كان بمنزلة “ورقة ضغط” على “العهد” أدّت إلى ارتفاع الدولار نتيجة إقفال منصّة “صيرفة” وتعطيل حركة التحويلات والاعتمادات، وتوقُّف آليّة دفع “اللولارات” للمودعين بالليرة اللبنانية على سعر 8,000 ليرة.
– آب: 31,650 ليرة
بدأت الحكومة بالحديث جدّيّاً عن إقرار الدولار الجمركي. وقد تلمّست الحكومة من خلال حجم الاستيراد أنّ أغلب اللبنانيّين ما عادوا يعتمدون على مداخيلهم المحليّة بالليرة اللبنانية فقط، وإنّما على الدولارات التي تصبّ في جيوبهم من خلف الحدود على شكل مساعدات من المغتربين أو رواتب لوظيفة “أونلاين” أو حفنة من الدولارات أو “اللولارات” يتلقّونها من ودائعهم في المصارف بموجب ترتيبات مصرف لبنان.
– أيلول: 36,000 ليرة
مع نهاية فصل الصيف وبدء سفر المغتربين، بدأ مصرف لبنان بالتخلّي عن “دعم” البنزين (إن صحّت تسميته دعماً)، وذلك من خلال تقنين بيع المستوردين الدولارات عبر منصّة “صيرفة”. لجأ “المركزي” إلى خفض النسبة المئوية من بيع الدولارات وصولاً إلى تصفيره، وهذا ما أدّى إلى تحرير تلك المادّة التي بات التجّار يعتمدون على دولارات “السوق السوداء” من أجل استيرادها، وإلى دفع سعر الصرف إلى مزيد من الارتفاع.
– تشرين الأوّل: 37,650 ليرة
في تشرين الأوّل أصدر مصرف لبنان بياناً أعلن فيه توقّفه عن التدخّل في السوق، فانخفض سعر صرف الدولار من فوق 40 ألفاً إلى حدود 35، لكنّه سرعان ما عاد إلى الارتفاع إلى حدود 37. لجأ سلامة إلى هذا البيان من أجل لجم ارتفاع سعر الصرف الكبير، لكنّ خطّته لم تنجح لعدم قدرته على بيع الدولارات في السوق طويلاً، نتيجة تحيُّن الصرّافين للحظة إصدار البيان، بعدما كانوا استبقوه بتخزين الليرات من أجل شراء الدولارات وتسجيل الأرباح.
– تشرين الثاني: 39,000 ليرة
عاد الدولار إلى الارتفاع بعدما طلبت الحكومة من مصرف لبنان جمع 1 مليار دولار من أجل مؤسّسة كهرباء لبنان، في مسعى إلى إعادة التيار الكهربائي بمعدّل 8 ساعات إلى 10 ساعات يومياً. ويبدو أنّ الدولارات المحصَّلة من الصرّافين، أو من جيوب اللبنانيين عبر الصرّافين، جُمعت في خزائن مصرف لبنان ورُفعت تسعيرة التيار، لكنّ الكهرباء لم تأتِ.
– كانون الأوّل: 44,000 ليرة
شهد سعر الصرف منذ بداية هذا الشهر موجة ارتفاع انطلقت من نحو 40 ألفاً، ومن بين أسبابها بدء دفع الزيادة على رواتب القطاع العام بواسطة منصّة “صيرفة”، ودخولنا موسم الأعياد المحفِّز على استهلاك المأكولات والمشروبات والأطعمة، ومحرّك الأسواق التجارية كلّها. وصل السعر إلى عتبة 48 ألفاً في النصف الثاني من الشهر، ثمّ انخفض إلى نحو 43 ألفاً نتيجة عودة “المركزي” إلى لعبة بيع الدولارات… لكن لا يبدو أن ذلك سيدوم إلى وقت طويل.
وها نحن ننتظر السنة المقبلة، حتى نرى ما يخبّئه لنا الدولار من مفاجآت جديدة مفجعة.