ترى أوساط سياسيّة أنّ جلسات إنتخاب رئيس الجمهوريّة ستبقى على ما هي عليه، أيّ التصويت في الدورة الأولى وتطيير نصاب الثانيّة، بسبب الإصطفافات النيابيّة التي أنتجتها الإنتخابات الأخيرة. وتقول الأوساط إنّه نتيجة هذا الإنقسام بين الفريق الواحد، يتوجب الوصول إلى تسويّة وتوافق على الرئيس المقبل، فلا يجب أنّ تنفرد أيّ جهّة بالقرار، مُحذرّةً من أنّ تمسّك أيّ طرف بشروطه ومحاولة فرضها على الآخر، لن يحلّ الأزمة التي من المتوقع أنّ تطول، ريثما تتبلوّر الإتّصالات الرديفة بين الكتل النيابيّة، ويدعو بعدها رئيس مجلس النواب نبيه برّي للحوار.
وقد ظهرت ولا تزال بعض الإشارات التي تُؤكّد أنّ كتلاً من “المعارضة” تُلاقي “حزب الله” و”حركة أمل” في الحوار لانتخاب رئيسٍ للجمهوريّة. ولعلّ أبرزها تقارب الصيفي من الضاحيّة الجنوبيّة والتشديد على الإنفتاح والتواصل لعدم الدخول في مراوحة سياسيّة، رغم نفي الأمين العام لحزب “الكتائب” سيرج داغر هذا الأمر. أمّا ثاني تقارب بحسب مراقبين، فتترجم من خلال تمايز كتلة “الجمهوريّة القويّة” عن رأيّ النائب سامي الجميّل في موضوع نصاب الثلثين، عندما أعلن النائب جورج عدوان في الجلسة السادسة لانتخاب الرئيس، أنّ النصاب في كلّ الدورات هو 86 نائباً. ويُضيف المراقبون أنّ “القوّات” تُفرّق في علاقتها بين برّي و”حزب الله”، على الرغم من أنّها لم تُؤيّده في إنتخابات رئاسة مجلس النواب. ويُذكرون أنّ معراب سبق ودخلت في تسويّة أساسيّة، كان لها وقعٌ إيجابيّ عام 2016 في الخروج من الفراغ الرئاسيّ.
وتُشير أوساط سياسيّة إلى أنّه على اثر هذين التطورين المهمين بين كتلتين مسيحيتين و”حزب الله” و”أمل”، فإنّ التاريخ سيُعيد نفسه مرّة جديدة من حيث إنتخابات رئاسة الجمهوريّة، أيّ أنّه نتيجة الحوار والتسويّة، سينتهي الفراغ في بعبدا. كذلك، ورغم معارضته إنتخاب رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجيّة، وتصويته بالأوراق البيضاء، لا يزال “التيّار الوطنيّ الحرّ” يُصرّ على الإلتقاء بين كافة الأطراف لانتخاب الرئيس المقبل.
وأيضاً وأيضاً، يُشدّد نواب معارضون وفي مقدمهم بعض السنّة على أنّ موضوع التوافق حاجة ماسة لعدم تكرار تجربة الرئيس ميشال عون الذي أقصى خلال ولايته أطرافاً، بسبب التعطيل الحكوميّ الذي تميّزت به ولايته. في السيّاق عينه، يلفت مراقبون إلى أنّ هناك شبه إجماع في تأمين نصاب الثلثين لكافة دورات الإنتخاب، فإلى جانب “القوّات”، تقوم كتلة “اللقاء الديمقراطيّ” بالتمسّك به، فهناك تلاقٍ في البرلمان بين أغلبيّة النواب على أنّ يُنتخب الرئيس بحضور أقلّه 86 نائباً، كيّ يكون العدد الأكبر منهم مشاركاً في وصوله إلى بعبدا، ما يُعطيه الميثاقيّة من مختلف الطوائف، إضافة إلى أنّ الإجماع عليه يُعتبر ركيزة للتوافق السياسيّ.
وفي حين تنتظر البلاد التسويّة الداخليّة التي من شأنها إعادة الإستقرار السياسيّ وتشكيل حكومة جديدة تُعالج الأوضاع الإقتصاديّة، تقول أوساط نيابيّة إنّ التسويّة الدوليّة هي مهمّة أيضاً، فبعد نجاح ملف ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل، عاد الهدوء إلى الجنوب، وتوقّفت لغة التصعيد العسكريّ، ما أعاد الطمأنينة إلى الوضع الأمنيّ. وتُتابع أنّ التوافق الخارجيّ على ضرورة تحييد لبنان عن الصراعات الدوليّة، كما أنّ أيّ تقارب أو نجاح في الإتّفاق النوويّ الإيرانيّ، وانتهاء الحرب الأوكرانيّة ورفع العقوبات الغربيّة عن موسكو وطهران، كلّ هذا سيعود بالإيجابيات على لبنان، سياسيّاً عبر الإنتخابات الرئاسيّة وأمنيّاً وحتّى إقتصاديّاً، إنّ من خلال إستثمار الشركات الروسيّة والإيرانيّة، وإنّ من خلال الفيول الإيرانيّ الذي سيُساعد البلاد على زيادة الإنتاج الكهربائيّ.
ويُشدّد مراقبون على أنّ الفراغ الرئاسيّ سينتهي حكماً بعد فترة قد تمتد لأشهرٍ أو أكثر بتسويّة فقط، فلا غالب ولا مغلوب في مجلس النواب بسبب غياب الأكثريّة لأيّ فريقٍ، ما يعني أنّ التعطيل ممكن أنّ يستمرّ من فريق “حزب الله” أو من “المعارضة”، ومن دون التوافق يستحيل هذه المرّة إنتخاب الرئيس. ويوضح المراقبون أنّه في السابق، كانت الأغلبيّة النيابيّة من حصّة الكتل المُشكّلة لـ14 آذار، غير أنّها لم تستطع إنتخاب رئيسها، وفرض الإجماع نفسه سيّداً على المشهد السياسيّ في كلّ المناسبات. ويختم المراقبون أنّ التسويّة مقبلة وستجلب معها الحلول، وحتّى لو جرى تأخيرها أو تعطيلها لبعض الوقت.