يمر لبنان اليوم في أصعب مرحلة من مراحل ضبط السياسة النقدية لا سيما بعد الارتفاع الكبير وغير المسبوق لسعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية بحيث وصل إلى مشارف ال42000 الف ليرة لكنه سرعان ما هبط إلى ما بين 35250 و35350 ليرة لبنانيّة لكلّ دولار أميركي مع تعميم الاحد الذي أصدره حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، حيث جاء في التعميم بناء على المادتين 75 و 83 من قانون النقد والتسليف سيقوم مصرف لبنان ومن خلال منصة SAYRAFA ببيع الدولار الأميركي حصرا إبتداء من أمس الثلاثاء علما انه لن يكون شاريا للدولار عبر منصة SAYRAFA من حينه وإلى إشعار آخر.
وأضاف البيان” وفق ما نص عليه التعميم 161 يستمر دفع معاشات القطاع العام بالدولار الاميركي، ومن ناحية اخرى تستمر سحوبات ال 400$ لاصحاب الحسابات المصرفية، كما انه يستمر العمل بالتعميم 151 والتعميم 158 وأيضا يتم الدفع بالدولار الأميركي”.
ضربت مسيرة الإنهيار النقدي لبنان منذ العام 2018 وحتى تاريخه علماً أن هذا الأمر يرتبط مباشرة بمعطيات التبدل والتحول الذي حصل على النظامين الإقتصادي والمصرفي. فلبنان بعد مسيرة طويلة أصبح اقتصاده خارج النظام المصرفي، فتحول النظام الاقتصادي بشكل كامل الى نظام الاقتصاد النقدي الذي يدار من قبل قوى مالية تمتلك قدرات وامكانيات هائلة في تحريك السوق وتسيطر على العمليات المالية والتجارية التي تحصل.
لا شك، بحسب ما تقول مصادر اقتصادية ومالية معنية لـ”لبنان24″ ان التخبط ضرب النظام المصرفي نتيجة عوامل متعددة منها ما هو سياسي خارجي، ومنها ما هو سياسي داخلي، فضلا عن سياسات اعتمدتها بعض المصارف وخالفت بها القوانين والأنظمة التي تتعلق بسياسات الإقراض والحفاظ على الودائع، حيث ظهرت شركات كبيرة تعمل اليوم كبديل عن المصارف إضافة الى العديد من الشركات التي دخلت الى السوق حيث تعمل هذه الشركات في مجال التحويلات المالية وتلقي التدفقات بالعملات الأجنبية وتعمل كبديل للصرافين وشركات الصيرفة إضافة الى جمعية خيرية تعمل في كافة انواع العمليات المالية والمصرفية هي جمعية القرض الحسن .ومع الوقت تحولت هذه الشركات الى “بعبع” السوق ومحددة لسعر القطع بالتنسيق مع مصرف لبنان المحكوم بالعمل وفق النظام الاقتصاد النقدي بالشكل الذي يعمل به والذي قد يكون مضطراً للتعامل مع الشركات المذكورة لأنها أصبحت مصدر التدفقات المالية بالعملات الأجنبية الواردة إلى لبنان ومرجع المصرف المركزي في امتصاص السيولة بالليرة اللبنانية من السوق.
تجدر الإشارة هنا إلى أن تدخل المصرف المركزي في سوق التعاملات النقدية يجعل من المصرف فعالية مضاربة مثل باقي الشركات مع فارق الإمكانات كونه مصدر السيولة بالليرة اللبنانية،تقول المصادر نفسها.
وعليه، لا يمكن تصور اتجاهات السوق وسعر الصرف مستقبلاً علماً أن الامر مرتبط بقدرة التحكم بالسوق التي يمارسها أي من قوى التدخل النقدي، حيث يعتمد مصرف لبنان في هذا الإطار على التعاميم الظرفية التي تساهم في تأمين توازن السوق ومحاولة لجم سعر صرف الدولار .
ففي آخر تعميم صدر عن حاكم مصرف لبنان بدا واضحا، بحسب المصادر الاقتصادية نفسها، أن مصرف لبنان يرغب عبر ضخ الدولار وعدم شرائه فرض توازن جديد للسوق يقوم على امتصاص السيولة بالليرة اللبنانية وضخ سيولة بالدولار علماً أن هذا الأمر له دلالة علمية كبيرة تفيد بأن لبنان يمتلك كتلة نقدية بالعملات الأجنبية ما زالت كبيرة وربما أكثر من المعدل المسموح به دولياً.
لكن عدم تحديد مدة محددة لمفعول التعاميم التي يصدرها حاكم مصرف لبنان مرده، بحسب المصادر المالية نفسها، أن التعاميم هي ظرفية وتستعمل لأهداف ظرفية لها علاقة بالسوق النقدي وقد يستمر العمل بها لفترات طويلة طالما هناك حاجة لها وقد تستتبع بتعاميم لاحقة للمساعدة في تحقيق الأهداف في السوق وأهمها الآن محاولة تخفيض سعر الدولار في السوق السوداء وإيصاله إلى السعر المحدد عبر منصة صيرفة، كخطوة قريبة الاجل وربما للمدى المتوسط قد تكون خطوة في اتجاه توحيد سعر الصرف خاصة بعد اعلان وزارة المالية ان لبنان يتجه لاعتماد سعر صرف رسمي جديد هو 15000 ليرة بديلاً عن السعر المعتمد المحدد منذ 30 سنة بـ 1507.5 ليرة لبنانية بعد أن اصبح هذا السعر سعراً وهمياً غير معمول به نهائياً في السوق النقدي.
من المؤكد أن الخطوات التي اعتمدت حتى الآن هي السبيل للتوصل لاحقاً إلى تعديل تعاميم المصرف المركزي المتعلقة بأسعار الصرف المعتمدة لدى المصارف لودائع المودعين المسماة غير المؤهلة والعائدة لودائع ما قبل 17 تشرين 2019، لكن تعديل التعاميم وأسعار الصرف المعتمدة فيها لن يحصل قبل نجاح القوى المالية المؤثرة في السوق في تحقيق الاهداف بدءاً من تحقيق توازن في السوق ونجاح وإقرار خطة إعادة هيكلة المصارف التي باتت جاهزة آخذين بعين الاعتبار أن سعر الصرف في النهاية يؤثر كثيراً على المصارف واعادة رسملتها وعلى ميزانياتها، فقيمة موجوداتها تحدد بعد تحديد سعر الصرف.