كتبت يمنى المقداد في الديار
من دون سابق إنذار، وعن سابق إصرار وتصميم، فجّر وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال قنبلة من العيار الثقيل، من خلال اعلانه رفع سعر الدولار الرسمي إلى 15000 ليرة مع نهاية تشرين الأول الجاري، ما أدّى إلى موجة من الإستفسارات والإستنكارات، وأسئلة حول ما يحمله القرار من إيجابيات وسلبيات.
يذكر أنّه للمرة الأولى منذ العام 1997، يستحدث سعر صرف جديد للدولار الرسمي، ليضاف إلى قائمة الأسعار المتعدّدة لهذه العملة الخضراء، حيث هناك دولار معتمد في المصارف، وثان في منصة “صيرفة” وثالث في السوق السوداء.
فحيلي: القرار مشروع فتنة بين المصارف والمودعين
انتقد الإقتصادي وخبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي بشدّة قرار رفع سعر صرف الدولار الرسمي على محاورعدّة، وقال لـ”الديار” إنّ زلزالا بقوة 15000 على مقياس رختر ضرب عالم المال والأعمال في لبنان وسوف تظهر إرتداداته تباعاً، فتفرّد وزير المال بالتعديل يعطي مساحة واسعة للتفلّت السياسي والقانوني والدستوري تحت شعار حماية المواطن، لافتا إلى أنّ دولار الإيرادات الـ 15000 ليرة سوف يتحول إلى مشروع فتنة بين المصارف والمودعين نظرا لمزاجية الطبقة السياسية في تطبيق القوانين.
ماذا يطال؟
هل يحلّ هذا القرار مشكلة أسعار الصرف المتعددة؟ يجزم فحيلي أنّ هذا شكل من أشكال الجهل المتعمّد، موضحا أنّه ابتداء من الأول من تشرين الثاني، سوف يحتسب الدولار الأميركي- على المواطن- بطريقة مختلفة في كل واحد من هذه الالتزامات بالدولار: تسديد فاتورة الخليوي، ضريبة الدخل على عقد مبرم مع شركة أجنبية، ومكوّن أصلاً بالدولار الأميركي، أو على راتب يدفع لك بالدولار الفريش، دفعات على قرض شخصي بالدولار.
أمّا إذا كان لدى المواطن موجودات (حسابات دائنة – وديعة) في المصرف مكونة أصلاً بالدولار الأميركي وتستفيد من أحكام التعميم 158 ، أحكام التعميم 151 لأن الراتب يدفع بالدولار المقيم (الدولار)، ويستطيع شراء دولاره عن طريق منصة صيرفة (أو التعميم 161)، يحتسب الدولار الأميركي بطريقة مختلفة في كل واحد من هذه السحوبات إلى أن يقول مصرف لبنان غير ذلك، وقد بشّر الرئيس ميقاتي بحركة إستثنائية لمصرف لبنان خلال شهر تشرين أول لمواكبة تعديل سعر صرف دولار إيرادات الدولة.
سعر الصرف بين التعددية والتوحيد
فحيلي إعتبر أنّ التعدّدية بسعر الصرف هي عنصر مساعد جداً ومساهم في قدرة المواطن اللبناني (مستهلك وصاحب مؤسسة) على الصمود والتأقلم مع المتغيرات الإقتصادية، وهي اليوم من ميزات القطاع الخاص المدولر، فيما مكوّنات القطاع العام مستبعدة نهائياً عن هذا التأقلم، والقطاع الخاص لن يتخلّى عن هذا الإمتياز الذي جاهد للوصول إليه إلّا إذا تقدّم له الأفضل، وهو يعارض “الدولار الجمركي”، وتعديل سعر صرف دولار إيرادات الدولة لأنّها تنتقص من مكاسبه.
وسيكون هناك وفق فحيلي، كلفة لإبقاء الأمور على ما هي عليه، وهناك كلفة لتوحيد سعر الصرف، وكلفة أخرى لتحريره، فالدولار تحرّر وتوحّد فقط عند نقاط البيع الحرّة، فمحلات الصيرفة ونقاط البيع إتفقوا على إقتطاع سعر (السوق السوداء) على كل دولار أميركي، ونحن بإنتظار أن تعتمد الدولة النهج ذاته بتحصيل إيراداتها لكي يتحرّر المواطن، وهنا يتوجب على السلطة السياسية طمأنة المواطن بأنّ الأموال تصرف بالنظام ولا تهدر أو تذهب لتمويل فسادهم.
خطوة خجولة!
القرار بحسب فحيلي، خطوة خجولة عل درب تعزيز إيرادات الدولة من دون المسّ بالإمتيازات والإعفاءات الضريبة ومن دون اللجوء إلى الإصلاح والمسّ بالنفقات، ويتظهر الفرق بين السياسات النقدية والمالية في قرار وزير المال الذي ولد من رحم موازنة العام 2022 التي أعطته صلاحيات إستثنائية، بعد التشاور مع حاكم مصرف لبنان وليس مع المجلس المركزي صانع السياسات النقدية، تخوّله تعديل السعر الرسمي المعتمد من قبل وزارة المالية لصرف الدولار الأميركي، ليصبح في الأول من تشرين الثاني 2022 على سعر الـ 15000 بدلاً من 1507 ليرة.
وتابع أنّ هذه المادة أنتجت جدلا عقيما في أروقة مجلس النواب في النسخة الأولى من مشروع الموازنة العامة للعام 2022 وفي إطلالته الأولى على الهيئة العامة لمجلس النواب لمناقشته، عندها قرر رئيس المجلس، بحكمته وحنكته، إبعادها عن النقاش ولكن، ومن الواضح، لم ولن يبعدها عن مشروع الموازنة. وبهذا يكون هذا التعديل دستوريا ووفق الأصول.
دولار السياسات النقدية باق: ماذا يشمل؟
يتابع فحيلي أنّ دولار السياسات النقدية بقي على حاله حتى إشعار آخر بإنتظار تعميم من مصرف لبنان، و تبقى الأمور على ما هي عليه في التعميم الوسيط رقم 568 الصادر في 26 آب 2020 الذي ينص على قبول تسديد العملاء الأقساط أو الدفعات المستحقة بالعملات الأجنبية الناتجة عن قروض التجزئة كافة بالليرة اللبنانية على أساس السعر المحدّد لتعاملات مصرف لبنان مع المصارف (1507.50 ليرة لبنانية)، وهذا لا يشمل القروض والتسهيلات التجارية، وبهذا يكون وزير المال، قد أنتج سعرا إضافيا في الوقت الذي يطالب فيه صندوق النقد الدولي بتوحيد وتحرير سعر الصرف، وبما أنّ الإصلاح هو الغائب الأكبر عن الموازنة، تبقى السلطة السياسية تتعمد عدم التعاطي مع مسؤولية التعافي الإقتصادي بجدية.
كما تبقى الأمور على حالها في التعميم 151 والذي حدد سعر صرف غير متقلّب على الـ 8000 ليرة، وكذلك في التعميم 158 والذي أيضا حدد سعر صرف ثابت على الـ 12000 ليرة، وفي التعميم 161 الذي أسس منصة “صيرفة” وأنتج سعرا متقلّبا للدولار، كما يبقى “الدولار” الحسابات الدولارية المقيمة في المصارف التجارية من قبل تشرين 2019 على ما هو، يستعمل لتسديد القروض، إجمالا التجارية، بالعملات الأجنبية، وسوف يبقى مصرف لبنان بعيدا عن الضبابية والإضطرابات التي قد يحدثها قرار وزير المال ويتمسّك بإبقاء العمل بأحكام جميع التعاميم المذكورة أعلاه.
إرتفاع في الأسعار
أكمل فحيلي أنّ هذا التعديل بدولار الجبايات الضريبية والرسوم (يعني الإيرادات لا النفقات) تعدّى حدود الدولار الجمركي ليشمل كل الضرائب والرسوم المتوجبة بالعملة الأجنبية وسوف يرخي بظلاله القاتمة على:- فاتورة الاستهلاك من بوابة الضريبة على القيمة المضافة التي أصبحت تحتسب على سعر الـ 15000 بدلاً من الـ 1507 ليرة. ومن الطبيعي أن تحدث إرتفاعا عاما بالأسعار.
دخل الفرد بعد تسديد ضريبة الدخل وخصوصاً على موظفي القطاع الخاص الذي يتقاضون رواتبهم كاملة أو جزء منها بـ”الدولار الفريش”.
فيما التداعيات على إحتساب رأس المال هو كلام يفتقد إلى المنطق الإقتصادي السليم، وخصوصا أنّ سعر صرف الـ 1507 ليرة هو سعر وهمي ولا يعكس القيمة الحقيقية لليرة اللبنانية، فالهدف من التمسك به في إحتساب رأس المال يكون لإخفاء الحقيقة؛ غياب الشفافية والحوكمة في السنوات السابقة أوصل البلد إلى ماهو عليه اليوم، وعن التداعيات على حركة الدولار في السوق الموازية سيكون إرتفاعا في عرض الدولار وليس الطلب عليه، أي إضطرابات أو إرتفاع بسعر الصرف بسبب غياب الإصلاحات والرقابة الأمران اللذين يعطيان مساحة إضافية لصيادي الدولار للإستفادة من الفلتان.
وختم فحيلي أنّه رغم كل ما قد يتسبب به هذا التعديل بسعر الصرف من إرتفاع بالأسعار، تبقى تداعياته أرحم على الإقتصاد من لجوء الدولة لطباعة العملة لتغطية نفقاتها التي جاء أبرزها زيادة رواتب موظفي القطاع العام وتم تغليفها بغطاء “الإستثنائية المحدودة الزمن”!