كتبت جوانا فرحات في المركزية:
لا إلغاء إنما تأجيل للزيارة التي كانت مقررة غدا لقائد الجيش العماد رودولف هيكل إلى واشنطن بعدما أُبلغَ بأن غالبية المواعيد التي كانت موضوعة على جدول الزيارة أُلغيت بذريعة “عدم توفر وقت لدى المسؤولين الأميركيين بحسب ما أفادت سفيرة لبنان في واشنطن ندى حماده وذلك عبر برقيات أرسلتها لشخصيات لبنانية وأميركية تعتذر فيها عن إلغاء حفل استقبال في السفارة اللبنانية كان سيُقام على شرف هيكل”.
وما بين التأجيل والإلغاء الرسالة واحدة. لا رضى على أداء مهام المؤسسة العسكرية في مسألة سحب سلاح حزب الله عدا عن البيان الأخير الذي أصدرته قيادة الجيش واتهمت فيه “العدو الإسرائيلي بانتهاك السيادة اللبنانية وزعزعة الإستقرار وعرقلة انتشار الجيش في الجنوب” . وفُسّر البيان بأنه استفزاز للجانب الأميركي خصوصا أنه جاء بعد مداخلة هيكل في مجلس الوزراء حول عمل الجيش في جنوب نهر الليطاني وقوله إن إسرائيل تتعمد العرقلة .
إلا أن مصادر متابعة في واشنطن أفادت “المركزية” أن التوتر الحاصل بين هيكل والمبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس بلغ حدّه، بسبب رفض هيكل تلبية المطالب الإسرائيلية والأميركية لجهة دخول منازل الجنوبيين بحثاً عن سلاح المقاومة”.
من الواضح أن الإدارة الأميركية تقف عند ما ورد في بيان الجيش، وتعتبر أن طريقة تحميل إسرائيل كامل المسؤولية دون ذكر “حزب الله” يُعدّ “مشكلة” أو على الأقل لا تروق لها. لذلك، فإنها ترسل إشعارًا إلى قائد الجيش بأن المواقف الرسمية للجيش لها تبعات.وبحسب المصادر فقد تم نقل الملف إلى وزير الخارجية الأميركية أي إلى الوزير ماركو روبيو، والعلاقات المستقبلية مع الجيش ستكون مرتبطة “بمواقفه في المرحلة المقبلة، خصوصًا في ملفّ الحدود ونزع سلاح حزب الله. وعلى رغم أن الخطوة تركز على قائد الجيش، إلا أنها لا تعزل السياق الأوسع، أي الدعم الأميركي للجيش المرتبط بمسارات نزع السلاح ومراقبة نشاط حزب الله. وهذا استراتيجي سياسي أكثر من كونه مسألة مؤسساتية فقط. وتشير بعض التقارير الى إن ملف المساعدات سيُعاد تقييمه على مستوى سياسي، وليس فقط عسكريًا، إذا استمرت مواقف المؤسسة العسكرية “غير متلائمة” مع الموقف الأميركي. وبهذا المعنى، هناك رسالة مفادها “إذا لم يكن هناك تعاون من الدولة بما يشمل الجيش والموقف الوطني من السلاح، فستمضي الولايات المتحدة في إعادة ترتيب الدعم”.
باختصار تتابع المصادر: ” واشنطن تريد أن تؤكد أنها تراقب سلوك قيادة الجيش، ولكنها في الوقت نفسه تضع الضغط على الدولة ككل لتعزيز “احتكار السلاح” من الدولة، وليس من فصائل غير نظامية”، إلا أنها تؤكد بالتوازي أن المساعدات الأميركية للجيش لن تتوقف ولا علاقة لما سُمِّيَ ب”البخ” من قبل “لبنانيين يزورون واشنطن” في تأجيل موعد زيارة قائد الجيش أو بالتقارير الحاسمة في مواقفها من الدولة اللبنانية. فالإدارة الأميركية تراقب بصرامة خطاب الجيش ومواقفه، خصوصا ما يتعلق بحزب الله. وأي قرار يصدر عن الإدارة الأميركية يرتكز على ما تراه وتلمسه وليس على “ما نُقلَ أو تنامى إلى مسؤولين أميركيين لجهة عدم قدرة لبنان على اتخاذ مواقف مستقلة تمامًا دون النظر إلى تبعات الدعم الدولي”.
في ما خص التصاريح “الحادة” التي صدرت عن بعض أعضاء الكونغرس ومنها تصريح للسيناتور ليندسي غراهام الذي قال أن “القوات المسلحة اللبنانية لم تعد استثمارًا مجدياً للولايات المتحدة إذا لم يكن هناك جهد واضح لنزع سلاح حزب الله”، تعتبر المصادر أن مفاعيل “هذا الكلام غير مؤثرة على قرارات الإدارة الأميركية وخصوصا في مسألة قرار إلغاء زيارة قائد الجيش. لكن لا بد من الأخذ في الإعتبار الخطوات المرتقبة في ضوء مواقف الإدارة الأميركية من مواقف قيادة الجيش ورئاستي الجمهورية والحكومة من مسألة نزع سلاح حزب الله . وقد يؤدي الأمرإلى إعادة تقييم المساعدات الأميركية وقد ينخفض الدعم أو يُشترَط أكثر لكن الأكيد أن المساعدات لن تتوقف لمؤسسة الجيش”.
توقيت خبر إلغاء الزيارة عشية عيد الإستقلال يحمل الكثير من المعاني المؤثرة على معنويات العناصر والضباط كونها تشكل أداة لتعزيز قدرات الجيش وضمان استقلاله، أضف إلى أن الكثير من المساعدات الأميركية ليست فقط مالية، بل تشمل تدريبات، ومعدات، وخبرات تقنية. فإذا تقلص الدعم، قد تتأثر جهوزية بعض الوحدات أو إمكانية تحديث بعض التجهيزات، عدا عن ان العلاقات الأميركية العسكرية تسمح بتبادل خبرات استخباراتية وأي توتر في العلاقات قد يعيق عملية تبادل الخبرات العسكرية.
ما هو متوقع في الأيام القليلة المقبلة بحسب المصادر “أن تُعيد القيادة العسكرية النظر في طريقة الخطاب الرسمي، بحيث تكون أكثر توازنًا بين الدفاع عن السيادة وعدم إثارة غضب الشركاء الدوليين، لتأمين الدعم. وقد تتجه بيروت إلى استخدام قنوات دبلوماسية لإصلاح العلاقة مع واشنطن، خصوصًا أن إضعاف الجيش قد يضر بالاستقرار اللبناني”.
وقبل انقضاء موعد الزيارة يبدو أن الإتصالات القائمة بين لبنان وواشنطن عبر قنوات ديبلوماسية تنشط لإعادة تحديد موعد جديد ” وهناك تأكيد من مصادر أميركية على إمكانية حصول ذلك “في حال تنفيذ الإصلاحات اللازمة، وفي أولويتها تسريع خطة حصر السلاح بيد الدولة وتنفيذ الإصلاحات المالية. لكن إذا لم يتبدل الخطاب الرسمي للجيش خصوصًا في ما يخص حزب الله، فقد ترفض واشنطن إعطاء قائد الجيش موعداً جديدا لزيارة واشنطن أو تجعلها مشروطة بنقاط تعجيزية”.
أخيرا وليس آخرا، “قد تستخدم الولايات المتحدة هذا الملف كورقة ضغط سياسي وأمني، فتكون الزيارة المؤجلة بمثابة مكافأة إذا ثبت أن ثمة تقدماً جدياً وواضحاً في الملفات التي تعني ترامب وفي مطلعها نزع السلاح وترسيم الحدود” تختم المصادر.

