ينتقد الخبراء الإقتصاديون، التعديل الذي أقره مجلس النواب في جلسة يوم الإثنين الماضي، لبعض الفقرات في قانون النقد والتسليف الذي يسمح للمصرف المركزي، بطباعة أوراق 500 الف ليرة ومليون ليرة وال5 مليون ليرة، لأنها ستؤدي حتما إلى زيادة الكتلة النقدية بالليرة، وهذا عكس ما يطلبه صندوق النقد الدولي لجهة محاصرة إقتصاد الكاش، ومخالف لما توصي به مجموعة العمل المالي (فاتف) والإتحاد الاوروبي لجهة إتخاذ إجراءات إصلاحية، تساهم في إخراجه من اللائحة الرمادية التي وضعته عليها (فاتف) واللائحة السوداء الذي وضعه عليها الإتحاد الاوروبي. ويشرح الخبراء أنه كلما زادت كمية الليرة المتداولة، دون مقابل إنتاجي أو تغطية بالدولار زادت الضغوط التضخمية، وكلما كان هناك فئات نقدية أكبر في السوق، كلما بات ضخ كميات هائلة من النقد أكثر سهولة ، يعني مزيدا من فقدان القيمة الشرائية لليرة. كما أن الفئات النقدية الكبيرة تُستخدم عادة لتغطية الإنفاق بالعجز، لأنه في ظل غياب تمويل خارجي، تلجأ الدولة أو مصرف لبنان إلى تمويل الرواتب والنفقات من خلال الطباعة، وهذا يُضعف الليرة ويزيد الطلب على الدولار، ما يؤدي إلى التضخم. كما أن طباعة فئات نقدية أعلى يُسهل التعامل بفئات ضخمة بالليرة ويُسرّع الاستبدال بالدولار، ويُفقد الثقة بالعملة المحلية ويُعمّق ظاهرة الدولرة والتضخم التراكمي.
إذا البرمان اللبناني يعمل عكس توجه مصرف لبنان، والحكومة وصندوق النقد ومؤسسات التصنيف العالمية، قد يكون هذا الأمر عن قصد أو لعدم دراية النواب بتداعيات هذا القرار من الناحية المالية والاقتصادية، لكنه بالتأكيد سيثير التساؤل عن الحكمة من إتخاذه في هذا التوقيت بالذات، خصوصا أن الجميع يوافق على أن وضع الفئات النقدية الكبيرة في التداول تؤدي إلى زيادة التضخم، إذا كانت الطباعة بدون إصلاح إقتصادي حقيقي، وأن الحل ليس في الفئات النقدية، بل في وقف العجز، ضبط الكتلة النقدية، وإستعادة الثقة بالليرة.
الفحيلي : مصرف لبنان لن يطبع فئة ال500 الف والمليون ليرة
يلفت الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الفحيلي ل”ليبانون ديبايت” أنه “يجب الأخذ بعين الإعتبار أن إقرار مجلس النواب لطباعة فئات جديدة من العملة اللبنانية، قد لا تنفذه السلطة النقدية التنفيذية أي مصرف لبنان ، لأن المشهد النقدي لا يسمح لخطة من هذا النوع، لأن لبنان موجود على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي واللائحة السوداء للإتحاد الأوروبي، والمطلوب منه أن يكون التداول بالأوراق النقدية اللبنانية أصعب، كوسيلة لمحاصرة إقتصاد الكاش”، مشددا على أن “هناك توجها لدى مصرف لبنان بإعادة وسائل الدفع إلى القطاع المصرفي من خلال بطاقات الدفع والتحاويل، خصوصا أن الأرضية القانونية لهذا التوجه موجودة، وهي التعاميم 165 الذي سمح بفتح حسابات للأموال التي تدخل القطاع المصرفي بعد 17 تشرين 2019 بالدولار والليرة اللبنانية، ولهذا السبب أعتقد أن السلطة التشريعية ذهبت من خلال إقرار هذا البند، في إتجاه معاكس لما هو مطلوب من المجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية، التي وضعت لبنان على اللائحة الرمادية والسوداء”.
يرى الفحيلي أن “معالجة مشكلة النقد الوطني لا علاقة له بالفئات النقدية المعروضة. مصرف لبنان عليه معالجة الفئات النقدية التي لم يعد لها قيمة شرائية فعلية، مثل فئة الألف ليرة و5 آلاف ليرة وهذا أمر ضروري، ويجب الإتفاق مع وزارة المالية ووزارة الاقتصاد، على إلزام المكلفين والشركات على دفع الرسوم والضرائب والرواتب والاجور من خلال حسابات مصرفية، وشخصيا أستبعد أن يقوم مصرف لبنان بطباعة فئة ال500 الف والمليون ليرة”.
هل يزيد طباعة هذه الفئات من نسب التضخم؟ يجيب الفحيلي:”لبنان يستورد التضخم، لأن 70 بالمئة من إستهلاكنا والمواد الاولية التي نستعملها يتم إستيرادها من الخارج، وهناك تضخم عالمي من الصعب ضبطه بسبب القلق من الأحداث السياسية الحاصلة، وينعكس على التجارة العالمية وسلاسل التوريد من خلال زيادة كلفة النقل والتأمين مما يزيد إلى كلفة الاستهلاك”، مشيرا إلى أنه “في المشهد الداخلي هناك غياب للرقابة (مع تقديرنا للجهود التي تبذلها وزارة الاقتصاد)، مما يعطي مساحة إضافية للمضاربين والتجار والمحتكرين في التحكم في السوق وهذا يساهم نسبيا في التضخم”.
يضيف:”في لبنان من الصعب جدا التعميم، لأن هناك إختلاف في نسب التضخم من منطقة لبنانية إلى أخرى.على سبيل المثال أسعار الخضار والفواكهة تختلف بين منطقة وأخرى، لذلك لا يمكن إعتماد معيار واضح لقياس التضخم في لبنان”، شارحا أن “الإنطباع أن التضخم مرتفع، سببه أن الرواتب والأجور لم تواكب الإرتفاع في الاسعار في السنوات الماضية، وعندما يقر مجلس النواب لتعديل الرواتب للقطاع العام، ينسى أن هذا التعديل لن يؤدي بالضرورة الى تحسين القوة الشرائية للموظف، لأن كل القطاعات الإنتاجية والخدماتية التي يتعامل معها المواطن قامت بدولرة خدماتها (مدارس/ جامعات/ طبابة)، وبسبب تدهور التعليم الرسمي هناك كثير من المواطنين يفضلون حرمان أنفسهم، من أجل تعليم أولادهم في المدارس الخاصة مما يزيد الاعباء عليهم”.
ويختم: “هذا يعني أن هناك ضغوطات تضخمية يعاني منها المواطن، لكن نسبة التضخم علميا لم تتغير بين العامين 2024 و2025، بالإضافة الى أنه في كانون الأول 2023، عدّل الحاكم بالانابة آنذاك الدكتور وسيم منصوري سعر صرف الدولار الى 89.500 ليرة لبنانية، وفي ال2024 بدأ المواطن اللبناني دفع الرسوم والضرائب المتوجبة عليه وفقا لهذا السعر مما زاد الأعباء، وأثّر على القدرة الشرائية للرواتب في لبنان، وأعطى إنطباع بزيادة التضخم علما أنه في السنتين الماضيتين لم تتغير نسب التضخم في لبنان”.