كتب جو رحال في نداء وطن:
“لا دولة في ظل دويلة، والجيش هو الضامن الوحيد للأمن”. بهذه العبارة الحاسمة، رسم الرئيس جوزاف عون ملامح المرحلة المقبلة، مؤكدًا أن حصرية السلاح بيد المؤسسة العسكرية لم تعد خيارًا بل ضرورة وطنية. وفي 5 أيلول 2025، تبنّى مجلس الوزراء الخطة التي قدمها قائد الجيش رودولف هيكل، والتي تهدف إلى أن يكون الجيش الجهة الوحيدة المخوّلة حيازة السلاح على الأراضي اللبنانية. هذه الخطوة التي أيّدها رئيس الحكومة نواف سلام واصفًا إياها بأنها “ركيزة لبناء الثقة مع الداخل والخارج”، فجّرت في المقابل انقسامًا حادًا تمثل بانسحاب الوزراء الشيعة ورفض صريح من “حزب الله”، الذي اعتبرها استهدافًا لـ “المقاومة” وتلبية لمصالح إسرائيل.
منذ انتهاء الحرب الأخيرة مع إسرائيل عام 2024، يتعرض لبنان لضغوط متصاعدة من المجتمع الدولي لفرض سلطة الدولة على السلاح كشرط لأي مساعدات مالية أو استثمارات. واشنطن والرياض تربطان دعمًا قد يتخطى المليارات بتحقيق تقدم ملموس في هذا الملف، بينما تشترط طهران التزام إسرائيل بوقف اعتداءاتها قبل أي نقاش حول سلاح “حزب الله”، الذي تقدّر مراكز أبحاث غربية ترسانته بما بين 120 و150 ألف صاروخ. أما فرنسا وقطر، فتتحركان كوسيطين لتوفير ضمانات أمنية ودبلوماسية قد تفتح الباب لحوار وطني شامل.
التحديات أمام التنفيذ هائلة. الجيش اللبناني، رغم مكانته كأكثر المؤسسات ثقة لدى المواطنين، يفتقر إلى الإمكانات اللازمة، إذ لم تتجاوز موازنته لعام 2025 نحو 1.6 مليار دولار، أكثر من نصفها مساعدات خارجية. كما أن الحكومة لم تضع جدولًا زمنيًا واضحًا للتنفيذ، إدراكًا لحساسية الملف وتعقيداته. والأخطر أن الانقسام الداخلي يضعف أي توافق: فبينما يرى جزء من اللبنانيين أن سلاح “الحزب” ضمانة ردع بوجه إسرائيل، يعتبره آخرون عائقًا يحول دون قيام دولة قوية وقادرة.
القانون الدولي يقف إلى جانب الخطة؛ فالقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن عام 2006 ينص بوضوح على حصرية السلاح بيد الدولة ووقف الخروقات الإسرائيلية. لكن التجارب السابقة تحذر من المبالغة في التفاؤل: اتفاق الطائف عام 1989 نص على حلّ الميليشيات، وحوارات 2006 و2012 طرحت “الاستراتيجية الدفاعية”، إلا أن غياب الإرادة السياسية والضمانات الدولية أبقاها حبرًا على ورق.
البعد الاقتصادي يزيد من إلحاح التنفيذ: استمرار السلاح خارج سلطة الدولة يردع المستثمرين ويُعمّق عزلة لبنان، فيما قد يشكّل أي تقدم عملي فرصة لفتح باب المساعدات والاستثمارات الدولية وإعادة إطلاق عجلة الإعمار. فالمعادلة واضحة: لا نمو اقتصاديًا من دون استقرار سياسي وأمني، ولا استقرار من دون دولة واحدة تحتكر السلاح.
اليوم، يجد لبنان نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما السير في طريق الدولة الجامعة التي تستعيد ثقة شعبها والعالم، أو البقاء أسيرًا لمعادلة السلاح المتعدد التي كرّست الدويلة داخل الدولة. إنها لحظة الحقيقة التي لا تحتمل تسويات رمادية، بل تتطلب شجاعة سياسية وحوارًا وطنيًا يوازن بين هواجس الداخل وضمانات الخارج، ليُكتب للبنان مستقبل السيادة لا الازدواجية.