كتب إيلي مكرزل في JnewsLebanon
في مسرحية لا تُشبه سواها، عادت ميراي بانوسيان إلى الخشبة بعد غياب دام خمسة عشر عامًا، لتلاقي جمهورها من جديد بصوتٍ يمزج الحنين بالقوّة، وبشخصيةٍ تلامس الحياة بضحكتها ووجعها. إلى جانبها، تقف جوزيان بولس بثبات وإشراق، في ثنائية تمثيلية خطفت الأنظار وأشعلت الخشبة بكاريزما فريدة. العرض يحمل عنوان ع الأربعين، من تأليف ديمتري ملكي، إخراج شادي الهبر، وإنتاج مسرح شغل بيت.
ما إن يبدأ العرض حتى يجد المشاهد نفسه في قلب مواجهة غير مباشرة مع الذات والمجتمع، حيث تُروى الحكاية بلغة ساخرة، لكن صداها موجع. الضحكة هنا لا تُستهلك، بل تنفجر من عمق الحقيقة. المسرحية تنبش في تفاصيل العلاقات، الوحدة، الذاكرة، والخذلان، من دون خطابة ولا تجميل.
شادي الهبر، في إخراجه للمسرحية، يمسك بخيوط المشهد بإحكام، محرّكًا النص بحسّ بصري عالٍ، وإيقاع يرفض الرتابة. يفتح أمام الممثلَتين مساحةً للحضور الكامل، ويضع الجمهور في موقع الشاهد والمُتورّط في آن. الإخراج يراهن على البساطة المركّبة: ديكور وظيفي، حركة مدروسة، ولحظات صمت توازي في وقعها أقوى الجُمل.
على الخشبة، تتجلى الكيمياء بين بانوسيان وبولس كأنها نبض واحد في جسدين. أداء متبادل بالتكافؤ والحدس، يُضيء تفاصيل صغيرة ويحمّل الموقف بطبقات شعورية تُلامس كل متفرّج على طريقته. المشهد يتحوّل إلى مرآة، والمرآة إلى صالة اعتراف جماعي.
ع الأربعين ليست مجرّد مسرحية، بل لحظة مسرحية كاملة: عودة، مواجهة، تصفية حساب مع الذات، وطرح أسئلة أكبر من جواب. العرض يترك أثرًا، ليس فقط بسبب قوّة الأداء أو جمال الإخراج، بل لأنه ببساطة… صادق.