تحقيق جويس الحويس في موقع JNews Lebanon
مع اندلاع الحرب الاسرائيلية على لبنان، برزت تحديات عديدة على مختلف الأصعدة لاسيما الانسانية والصحية منها، والتي استحوذت بالطبع على مجمل التغطيات الإعلامية. لكن من القضايا المؤثرة والتي عادة ما تتفاقم في زمن الحروب والنزاعات ولا تحظى بالتغطية المطلوبة هي قضية الأمن الغذائي، والذي شكّل هاجسًا كبيرًا لدى المواطنين في الحرب الأخيرة، خاصة في ظل النزوح الجماعي وإغلاق المحال التجارية.
أفاد تقرير مشترك صادر عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي ووزارة الزراعة اللبنانية في كانون الثاني 2025 بأن حوالي 30% من سكان لبنان يعانون من انعدام الأمن الغذائي نتيجة الحرب، مع وجود 1.65 مليون شخص في مرحلة الأزمة أو الطوارئ من انعدام الأمن الغذائي، مقارنة بـ1.26 مليون شخص قبل التصعيد.
كما أشار التقرير إلى أن القطاع الزراعي اللبناني تكبّد خسائر فادحة، حيث أثرت الأعمال العدائية بشكل كبير على سُبل عيش المزارعين، وكذلك على الأصول الزراعية والبنية التحتية، مما أدى إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وهدد استدامة الأنشطة الزراعية.
نستهدف في هذا التقرير الوقوف على حجم التغطية الاعلامية التي اعتُمدت حول موضوع الأمن الغذائي وتوفر المواد الأساسية وآليات توزيع المساعدات في الحرب، ومدى تضمين المؤسسات الإعلامية هذه القضية في أجندتها، لمعرفة مدى نجاح هذه التغطية، ومحاولة الاستفادة من هذه التجربة والبناء عليها لمواجهة أي أزمة مستقبلية قد تحدث.
صحافيون: الأمن الغذائي أساسي وتغطيته ضرورية
مع تصاعد الغارات الإسرائيلية على مختلف المناطق اللبنانية خلال حرب، تأثرت سلاسل الإمداد الغذائي بشكل مباشر، ما أدى إلى تعثر وصول المواد الأساسية، خصوصًا إلى مراكز إيواء النازحين. في هذا السياق، لعبت وسائل الإعلام اللبنانية دورًا أساسيًا في توثيق الأزمة، حيث ركز مراسلو القنوات الإخبارية على نقل تداعيات الحرب على الأمن الغذائي، وتسليط الضوء على معاناة المتضررين.
يشارك مراسلا الجديد ريكاردو الشدياق وLBCI بترا أبو حيدر، تجربتهما في تغطية هذه الأزمة، والتحديات التي واجهاها في نقل الحقيقة وسط الفوضى والضغوط الميدانية.
فيقول الشدياق إنّ الغارات الإسرائيلية المتكررة، التي لم تستثنِ أي منطقة، جعلت الوضع الميداني شديد الحساسية، ما أدى إلى تعثر وصول المواد الغذائية إلى المستهلكين، خصوصًا إلى مراكز الإيواء التي استضافت النازحين في مختلف المناطق. ونتيجة لذلك، تفاقمت الأزمة الاقتصادية وتعرض الأمن الغذائي لتهديد مباشر، حيث بات توفر المواد الغذائية مرتبطًا بوتيرة الغارات الإسرائيلية. و”قد حرصنا على نقل هذا الواقع بدقة عبر تغطيتها الميدانية”.
ويشير الشدياق إلى أن القناة ركزت على تسليط الضوء حول مخاطر انعدام الأمن الغذائي في المناطق التي استهدفها العدوان الإسرائيلي، من خلال متابعة وصول المساعدات الغذائية التي قدمتها المنظمات الدولية والدول المانحة، سواءً العربية أو الغربية. كما “قمنا بتغطية مباشرة لوصول الطائرات والسفن المحملة بالإمدادات الإغاثية لدعم النازحين والمتضررين من الحرب”.
“توثيق واقع الأمن الغذائي على الأرض كان بالغ الصعوبة” بحسب الشدياق، ويعود ذلك للإرتفاع المتسارع في أعداد النازحين، ما أدى إلى حالة من الارتباك والعشوائية في الأرقام، الأمر الذي دفع الحكومة إلى تشكيل لجنة طوارئ خاصة لمتابعة هذا الملف. وقد عملت قناة الجديد على رصد البيانات المتعلقة بالأزمة من خلال هذه اللجنة، التي واجهت بدورها تحديات كبيرة في الوصول إلى أرقام دقيقة وسط الفوضى السائدة. ويضيف الشدياق، “هذه الصعوبات كانت واضحة وجلية خلال التواجد الميداني بين النازحين والمتابعة المباشرة للأوضاع على الأرض”.
بدورها لفتت الصحافية في قناة LBCI بترا أبو حيدر إلى أن تغطيتها للحرب شملت جميع تداعياتها، كونها كانت تعمل كمراسلة ميدانية، فقد كان من الضروري التركيز على موضوع الأمن الغذائي. فمن خلال الجولات على الأرض وزيارة مراكز الإيواء، سعت إلى معرفة احتياجات الناس الحقيقية وتسليط الضوء على صرخاتهم والقضايا التي تتطلب اهتمامًا عاجلًا. موضحة أنها كانت تطرح المواضيع بناءً على مشاهداتها المباشرة، دون أن تواجه معارضة من الإدارة بشأن الأفكار التي تناقشها. وتركزت تغطيتها بشكل خاص على الأمن الغذائي في مراكز الإيواء والجمعيات الناشطة فيها، حيث جاءت تقاريرها كصرخة للنازحين، مسلطة الضوء على معاناتهم وافتقارهم إلى أبسط مقومات الأمن الغذائي والحاجات الأساسية.
“المؤسسة اللبنانية للإرسال تلتزم بأعلى معايير الدقة خاصة فيما يتعلق بموضوع التهويل بشأن انقطاع المواد الغذائية خلال الحرب” تقول أبو حيدر. مؤكدة أنهم كصحافيين كانوا حريصين على تقصي الحقائق، وتجنب تسليط الضوء على بعض المواضيع التي قد تثير القلق بين الناس. وكانوا يعتمدون على التحقق من المصادر والتعامل مع الأخبار وفقًا لحجم الأزمة الفعلي.
الأمن الغذائي: حاضر رغم الأولويات الإعلامية
مع تصاعد المخاوف بشأن الأمن الغذائي خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان، لعبت وسائل الإعلام دورًا محوريًا في تغطية هذه القضية، خصوصًا في المراحل الأولى من النزاع، وحرصت بعض القنوات الإخبارية على نقل تطورات الوضع الغذائي، ومدى توفر المواد الأساسية، والتنسيق مع الجهات الرسمية والجمعيات الإنسانية.
في هذا السياق، أوضح مدير أخبار قناة الـ MTV، وليد عبود، ورئيسة تحرير أخبار قناة الـ LBCI، لارا زلعوم، كيف تعاملت مؤسستيهما مع هذا الملف، والتغيرات التي طرأت على طريقة التغطية مع مرور الوقت، بالإضافة إلى التحديات التي واجهها الإعلام في ظل الأزمة.
أشار عبود، إلى أن الـ MTV حرصت على تناول موضوع الأمن الغذائي خلال الحرب، خاصة في بدايتها، حيث كان يشكل مصدر قلق وخوف كبير لدى الناس. ومع مرور الوقت، تبيّن أن “لا داعي للقلق” على هذا الصعيد، فلم يعد الأمن الغذائي بالتالي من أولويات التغطية اليومية. ومع ذلك، استمرت القناة في التطرق إلى هذه المواضيع ثلاث إلى أربع مرات أسبوعيًا، بهدف طمأنة الناس والتأكيد على عدم وجود أي أزمة حقيقية في هذا المجال.
وشرح عبود أن التغطية ركزت على الجوانب الأساسية المرتبطة بالأمن الغذائي، خاصة خلال فترة الحرب، حيث كان الاهتمام الأكبر ينصبّ على المواد الأساسية مثل القمح، الطحين، والمواد الغذائية الضرورية لضمان الأمن الغذائي للمواطنين. مضيفًا أن مقاربة هذا الموضوع اختلفت مع تطور الأحداث، فبينما كان القلق في البداية يدور حول توفر المواد الغذائية وإمكانية انقطاعها، تحول التركيز لاحقًا إلى مسألة الأسعار.
وكانت القناة بحسب عبود في تنسيق دائم مع هيئة الطوارئ الحكومية في هذا المجال وعلى مختلف المستويات، إضافة إلى التعاون المستمر مع جمعية حماية المستهلك ووزارة الاقتصاد ومديرها العام، لضمان نقل المعلومات الصحيحة والدقيقة للجمهور.
أما لارا زلعوم فقد اعتبرت أن التغطية الإعلامية لموضوع الأمن الغذائي كانت من الأولويات في بداية الحرب، خاصة مع موجات النزوح الكبيرة وإغلاق المحلات التجارية، ما أثار مخاوف من فقدان المواد الغذائية. وتركزت التغطية بشكل أساسي على مدى توافر الأدوية، الخبز، والمواد الغذائية الأساسية. وأوضحت أن الأولوية القصوى كانت لتغطية الحرب نفسها، إلى جانب متابعة مختلف الأحداث المرتبطة بها، مشددةً على أن موضوع الأمن الغذائي نال الاهتمام الذي يستحقه.
بحسب زلعوم فإن التغطية الإعلامية أظهرت أن الجزء الأكبر من المساعدات في بداية الحرب كان يأتي عبر الجمعيات والمبادرات الفردية، في ظل غياب واضح لدور الدولة والحكومة. إلا أن هذا الواقع بدأ يتغير بعد مرور أسبوع، حيث برز تحرك حكومي أكثر وضوحًا. وأضافت أن التغطية الإعلامية سعت، من خلال النقل المباشر والتقارير، إلى تسليط الضوء على المساعدات التي وصلت، ومتابعة تفاصيلها لمعرفة مصيرها ومحتواها. وكان موضوع الأمن الغذائي حاضرًا في التغطيات المباشرة على الأرض، فيما أُفسِح المجال للتغطية الميدانية للحرب ضمن نشرات الأخبار.
وختمت بالقول، أن التعامل مع موضوع الأمن الغذائي يختلف من مؤسسة إعلامية إلى أخرى، وأن في المؤسسة اللبنانية للإرسال هناك مراسلين متخصصين في هذا المجال، مهمتهم متابعة هذا النوع من القضايا بعمق ودقة.
ناصر ياسين: تنسيق كامل مع وسائل الإعلام
أكد رئيس لجنة الطوارئ الحكومية خلال الحرب ووزير البيئة السابق ناصر ياسين، أن الحكومة قامت بتشكيل وحدة إدارة الكوارث خلال الحرب، والتي عملت ضمن لجنة الطوارئ الحكومية. وكانت الوحدة تُصدر تقارير يومية حول الوضع الميداني، بما في ذلك أعداد الجرحى والشهداء، والاعتداءات الحاصلة، إضافة إلى تقارير مفصلة عن المساعدات التي تصل إلى لبنان وآليات توزيعها. وأوضح أن هذه المعلومات كانت تُشارك مع مختلف وسائل الإعلام لضمان إيصال الحقائق الدقيقة إلى المواطنين.
وأضاف ياسين أن التقارير ركّزت بشكل أساسي على المساعدات والاحتياجات العامة، بما في ذلك المسائل المرتبطة بالأمن الغذائي، لكن الأولوية في التغطية كانت للحرب ومتطلباتها بشكل عام. وأشار إلى أنه كان هناك تواصلًا مستمرًا مع مختلف وسائل الإعلام، حيث كان يتم توضيح حقيقة الأوضاع، خصوصًا عند انتشار أخبار تتعلق بالتهويل بأزمة انقطاع المواد الغذائية. وأكد أنه تم عرض الوضع الفعلي للمخزون المتوفر من مختلف السلع، حتى أنهم نظموا زيارات ميدانية للإعلاميين إلى المستودعات، لإثبات توافر المواد الغذائية وعدم وجود خطر يهدد الأمن الغذائي.
وعند انتشار أي معلومات مغلوطة، شدد ياسين على أن اللجنة حرصت على عقد مؤتمرات صحافية أو نشر تقارير عبر المنصة المخصصة لتوضيح الحقائق للرأي العام. وكان يتم يوميًا تقديم تحديثات حول المخزون الغذائي، مع تصحيح أي معلومة غير دقيقة بانفتاح تام على الصحافيين ووسائل الإعلام، حيث عُقدت اجتماعات دورية في السرايا الحكومية للإجابة على أي استفسارات وتوضيح المستجدات.
وفيما يخص الأمن الغذائي وتوفر المواد، أكد ياسين أنه لم يكن هناك تهويل كبير من قبل وسائل الإعلام، خاصة أن لجنة الطوارئ، بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والشركات الدولية، عملت على تقديم صورة واضحة عن الوضع، مشيرًا إلى أن المخزون الغذائي كان كافيًا لمدة ثلاثة أشهر، مما بدد المخاوف من أي أزمة حقيقية.
قراءة في التغطية.. إشاعة التطمينات
من جهته، أكد أﺳﺘﺎذ ﻋﻠﻮم اﻹﻋﻼم واﻻﺗﺼﺎل واﻟﻤﻌﻬﺪ اﻟﻌﺎﻟﻲ ﻟﻠﺪﻛﺘﻮراه ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﺔ – ﻛﻠﻴﺔ اﻻﻋﻼم، الدكتور علي رمّال، أن التغطية الإعلامية المتعلقة بالأمن الغذائي ركّزت بشكل أساسي على توزيع المساعدات الغذائية للنازحين، إضافة إلى نقل التطمينات حول توفر المواد الغذائية في الأسواق.
وأشار إلى أن وسائل الإعلام سعت، من خلال تغطيتها، إلى إشاعة أجواء إيجابية وطمأنة المواطنين بشأن عدم وجود نقص في المواد الغذائية، لافتًا إلى أنه على أرض الواقع لم يتم رصد أي تزاحم على شراء المواد الغذائية، ما يدل على استقرار الوضع.
وأضاف رمال أن الأسبوع الأول من الحرب شهد تركيزًا كبيرًا من قبل وسائل الإعلام على قضية الأمن الغذائي، لكن مع مرور الوقت، ومع تكرار التطمينات بشأن توفر السلع، تراجع الاهتمام بهذا الموضوع ولم يعُد محط تركيز إعلامي كما كان في البداية.
أثبتت التغطية الإعلامية خلال الحرب أن الإعلام لم يكن مجرد ناقل للأخبار، بل لعب دورًا محوريًا في إدارة الأزمات، خصوصًا فيما يتعلق بالأمن الغذائي. فبينما ركّزت بعض الوسائل على نقل الحقائق بدقة وطمأنة المواطنين، سعت جهات أخرى إلى متابعة آليات توزيع المساعدات وتسليط الضوء على أوجه القصور.
في المقابل، أظهرت الحكومة انفتاحًا كبيرًا على الإعلام، حيث أكد المسؤولون، وعلى رأسهم الوزير ناصر ياسين، أن التواصل المستمر مع وسائل الإعلام كان ضروريًا لنقل الصورة الحقيقية للجمهور. وبينما كانت هناك مخاوف في الأيام الأولى للحرب، فإن التقارير الرسمية والإعلامية أكدت أن المواد الغذائية كانت متوفرة، ولم يكن هناك ما يستدعي الخوف.
تم إعداد هذا التقرير ضمن مشروع “إصلاح الإعلام وتعزيز حرية التعبير في لبنان”. موّل الاتحاد الأوروبي هذا التقرير . وتقع المسؤولية عن محتواه حصرًا على عاتق ”مؤسسة مهارات“ وهو لا يعكس بالضرورة آراء الاتحاد الأوروبي.