كتبت جوانا فرحات في وكالة “المركزية”:
لعقود وعقود انتظروا عودة اولادهم من معتقلات النظام السوري. لعقود وعقود وهم يسألون: “وينن”؟ إبتداء من الأحد 8 كانون الأول 2024 تغيّر مسار السؤال وصار استجوابا لمجموعات الجيش الحر الذي فتح أبواب أقبية التعذيب في حمص وصيدنايا وحماه واللاذقية والشام وصار السؤال: هذه صورة ولدي وإسمه، هل لا يزال حيا؟ إذا لا،بدنا الرفات.
قبل 24 عاما عاد المعتقل في السجون السورية الدكتور جوزف هليط إلى حضن والدته بعدما أمضى في أقبية معتقلات السجون السورية 8 أعوام وشهر و5 أيام. أي ما مجموعه 2955، أمضى منها 1600 يوم في الإنفرادي في فرع فلسطين”وهيهات مما ترون وتشاهدون من فظائع ومشاهد مقززة في سجن صيدنايا” يقول الدكتور هليط لـ”المركزية”. لكن ما يحزّ في قلبه ويشعل غضبه” أنه سبق وتكلمنا وشرحنا عن مأساوية الوضع في السجون السورية عندما خرجنا عام 2000 ورفعنا التقارير الموثقة بالأدلة والمعلومات والصور إلى كل المعنيين في الدولة اللبنانية وجمعيات حقوق الإنسان والمحافل الدولية .لكن لم يحرك أحدٌ ساكناً”.
سهيل حموي، مروان نوح، محمد عمر الفليطي، معاذ مرعب كانوا معتقلين في السجون السورية وعادوا في اليومين الأخيرين إلى عائلاتهم. أيضا سيدة تدعى خالدية فياض اعتقلت قبل 22 عاما من بلدة سنديانة العكارية خرجت من معتقل النساء …أسماء ترد بالتواتر وأهالي معتقلين يتوجهون نحو سوريا التي عاش فيها إبن أو إبنة أو زوج تحت عاشر أرض في حقبة نظام الأسد. اليوم سقط النظام لكن ثمة المئات لا بل الآلاف من المعتقلين من مختلف الجنسيات ما زالوا يقبعون في سراديب وأنفاق المعتقلات. ويقول هليط ” السجون لا تعد ولا تحصى في سوريا. ففي كل محافظة ،وعددها 17، سجن عدا عن السجون المركزية أنا كنت في سجن فلسطين لمدة 1600 يوم وعندما تم نقلي من خلال نفق إلى المركز الرئيسي الذي يبعد 500 متر عن سجن فلسطين لم يدرك أحد بذلك”.
يكشف هليط أنه مطلع شهر تشرين الثاني الماضي تم نقل عدد كبير من المعتقلين من سجن صيدنايا ولا أحد يعلم الوجهة ولا حتى أوضاع المعتقلين الصحية. يتابع” هناك سجون لم يدخلها الجيش الحر حتى الآن ولم يتكلم عنها الإعلام ومنها سجن قيسون الموجود على عمق 272 درجة تحت الأرض ويتبع للحرس الجمهوري. أيضا هناك سجلات وداتا اختفت من إدارة سجن صيدنايا بعدما دخلت عناصر من جيش النظام إلى السجن بلباس مدني في عز الفوضى وسحبت الملفات ومزقتها أو أتلفتها، وفي كل منها أسماء معتقلين في 50 قسما. كما تم سحب الكاميرات والصور التي تكشف عن أعمال التعذيب والإعدامات قبل يوم من سقوط النظام”.
هذه الرواية تُفسِّر إلى حد ما عدم وجود أثر لمعتقلين لبنانيين وردت أسماؤهم في سجلات السجن علما أن الأهالي يرسلون صور المعتقلين القديمة وهذا ما حصل مع المعتقل كلود ليشع الخوري الذي تردد أنه خرج من معتقل صيدنايا ونشرت صورته قبل الإعتقال. لكن حتى أهله لم يتعرفوا إليه وأنكروا أنها نفس الملامح.
وجع ما بعده وجع “والمؤسف أنه لا توجد مرجعية رسمية تتولى متابعة ملف المعتقلين في السجون السورية. وكل ما يرد على لسان نواب ومسؤولين عن توليهم الملف ليس إلا بروباغندا على أبواب الإنتخابات الرئاسية”يختم هليط.
مُرَحِباً باستعادة سوريا وشعبها حريته في ظل ظروف إنسانية وأمنية طبيعية ومؤكدا على حق كل معتقل بالعودة إلى منزله أيا كانت جنسيته ، يتمنى رئيس لجنة المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية علي أبو دهن على أهالي المعتقلين التروي وعدم الأخذ بكل الأخبار التي ترد “جذافاً عبر وسائل التواصل الإجتماعي ويقول لـ”المركزية”” تكاد تختصر دموع الأهالي كل الوجع، لكن نتمنى عليهم التأكد من صحة الأخبار التي ترد والتواصل معنا ونحن بدورنا نتابع هذه القضية كلجنة معتقلين ونتواصل مع مجموعات الثوار “.
الأخبار التي ترد عن خروج معتقلين لبنانيين من السجون السورية لا تحصى ولا تعد، “هناك فوضى وحالة ضياع ونخشى من عمليات ابتزاز، لذلك نصر على الأهالي عدم الإنجرار وراء أي معلومات متداولة عبر وسائل التواصل ونحرص على عدم نشر أي خبر أو إسم قبل التأكد منه سواء من جهة الثوار أو أهالي المعتقلين”.
إذا كان النظام السوري حوَّل سوريا إلى معتقل كبير و ساحات حرب وجبهات قتال وهجَّر السوريين، فمن الطبيعي إنكار وجود معتقلين لبنانيين في سجونه لأنه في النتيجة نظام لا يمكنه أن يعيش إلا على جثث ضحاياه. وهي مهمة لم يتخلَّ عنها واستمر فيها. اليوم ثمة فجر جديد لكن بزوغه سيستغرق وقتا وتحديدا على المعتقلين خصوصا أن السجون لا تقتصر على المركزي فقط “تحت كل بناية في سجن”. ويكشف أبو دهن أن مواطنا سوريا شاهد أحدهم ينقل رجلا على ظهره بسبب إصابته ب”الغرغرينا” في قدمه”مما يثبت أن هناك سجنا في المبنى الذي خرج منه”.
العائق الأساسي الذي يحول دون تقدم الملف سريعاً هو غياب المرجعية الرسمية في لبنان “”كجمعية معتقلين هناك تنسيق مع اللجنة اللبنانية- السورية التي شكلت سابقا وتضم القاضيين جوزف معماري وجورج رزق ووثقت أسماء 625 معتقلا وقدمتها إلى سوريا عام 2004. وعلى المستوى الرسمي نسعى إلى تبادل المعلومات مع نواب كتلتي القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية والحزب الإشتراكي”. ويختم مطمئنا “بأن الأمور ستسلك مسارها الطبيعي بعد أيام قليلة مع زوال هاجس الخوف لدى المسؤولين الأمنيين. آنذاك يصبح بالإمكان الحصول على المعلومات وأماكن السجون”.