كتبت ملاك عقيل في أساس ميديا
بات من السهولة رصد تراكم نقاط التباعد والفرقة بين التيّار الوطني الحرّ والحزب. حتّى محطة otv المحسوبة على التيّار أصبحت منصّة مفتوحة لأكثر خصوم الحزب شراسة الذين يروّجون “لاستسلام حتميّ للحزب في الجنوب فيما سيقود التمسّك بلغة الميدان إلى سيطرة إسرائيلية شاملة على لبنان”، ويتحدّثون عن “القوّة الوهمية للحزب على المستويين العسكري والماليّ”. يصل التوتّر بين الطرفين إلى المسألة التربوية أيضاً: جبران باسيل مع فتح المدارس لأنّها فعل مقاوم يَمنع الهجرة، والحزب: “المدارس للنازحين وليست للتعليم”.
تغيّرت آليّة التعاطي السياسي بشكل جذري بين الحليفين السابقين. حتّى اللينك الذي كان يَجمَع بين النائب باسيل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا لم يعد موجوداً. لا يزال مصير الأخير مجهولاً، تماماً كما ليست من معلومة مؤكّدة تتعلّق بمصير الحاج حسين خليل المعاون السياسي للأمين العامّ للحزب السابق السيّد حسن نصرالله الذي استشهد في غارة إسرائيلية في 27 أيلول الماضي. الحاج حسين الذي كان بداية الحرب بمنزلة الخيط التنسيقي الأساسيّ بين برّي-ميقاتي من جهة، والسيّد نصرالله من جهة أخرى، أصبح التواصل معه أصعب بكثير بعد اغتيال السيّد، فيما لا علاقة مباشرة تربطه أصلاً مع باسيل بحكم توزيع الملفّات داخل الحزب.
صحيح أنّ العلاقة بين باسيل وصفا شهدت تراجعاً ملحوظاً في التنسيق والتعاون في فترة ما قبل الحرب ووصلت أحياناً إلى حدّ الانقطاع الكلّي، إلا أنّ عدم اهتمام الحزب بانتداب مسؤول آخر، كما تفيد المعلومات، للتنسيق مع رئيس التيّار الوطني الحرّ بدلاً من الحاج وفيق صفا يصبّ في خانة تأكيد وجود ما يُشبِه القطيعة بين الطرفين، باستثناء اللقاءات المحدودة بين نواب الحزبين في قاعات البرلمان.
رسالة باسيل
أكثر من ذلك، أثارت الرسالة التي وجّهها باسيل عبر جريدة “الأخبار” إلى السيّد نصرالله في الذكرى الأربعين لاستشهاده استياءً شديداً لدى قيادات ونواب وجمهور الحزب الذي لَمَس فيها على الرغم من الكلمات العاطفية “إدانة لخيار نصرالله العسكري” والرهان “على من تسلّموا الأمانة عنك أن يكونوا أوفياء لكلّ بنوده”، في تلميح إلى عدم التزام نصرالله بما كان وعد به الرئيس ميشال عون وباسيل.
كما كان رئيس التيّار نفسه نَعى قوّة الردع التي أثبتت فشلها في حماية لبنان بعد قرار الحزب ربط الساحات. وصل الأمر أيضاً إلى حدّ قول نائب التيار جيمي جبّور “إنّنا لم نعد نتحمّل أيّ أحد يعطينا مبرّرات لوجود سلاح الحزب. و”ما عذّبت حالي إسمع شو حكي” الشيخ نعيم قاسم، لأنّ ما يقوله لن يؤدّي إلى أيّ مكان. هناك مجموعة (من الحزب) كنت أستمع لهم والآن لا أفعل ذلك لأنّني لا أصدّق أيّ كلمة ممّا يقولونه”.
أثارت الرسالة التي وجّهها باسيل عبر جريدة “الأخبار” إلى السيّد نصرالله في الذكرى الأربعين لاستشهاده استياءً شديداً لدى قيادات ونواب وجمهور الحزب
كلام بري ومواقفه متمايزة
مع ذلك، تقول أوساط نيابية في التيار الوطني الحرّ لـ “أساس”: “كلّ هذه المواقف ليست جديدة وسبق لباسيل، كذلك الرئيس ميشال عون، أن صارح قيادات الحزب بخطيئة الالتزام بقرار وحدة الساحات وإعلان حرب إسناد غزة لأنّها ستقود إلى خسارة حتمية للحزب ولتدمير لبنان، وهذا ما نشهده راهناً. فبعد كلّ ما جرى لا يمكن إطلاقاً الترويج لأيّ انتصارات وإلّا نكون في حالة نكران كاملة وانفصال عن الواقع”.
تسلّم الأوساط بعدم وجود تنسيق أو تواصل راهناً بين رئيس التيّار والحزب، لكنّ موقف باسيل ذهب أبعد من ذلك من خلال الإدانة المباشرة لـ “النبع”، أي إيران، طالباً من موفديها الذين أتوا إلى لبنان بعد بدء عدوان أيلول واستشهاد السيّد نصرالله “عدم إدارة الملفّ اللبناني من منطلق الحسابات الإيرانية ورهاناتها في الإقليم”.
كما تؤكّد الأوساط أنّ “هذا الموقف من الحزب وتطبيق 1701 والالتزام بالاستراتيجية الدفاعية، كأوّل بند على سلّم أولويات رئيس الجمهورية المقبل، لا يعني إطلاقاً القبول بحصول مواجهة مع الطائفة الشيعية أو الشارع الشيعي، وسنتصدّى لأيّ مشروع من هذا النوع. ربّما من يعطي محفّزاً أكبر لمواقفنا هو الرئيس برّي الذي بات يتكلّم بلغة متمايزة عمّا قبل الحرب وينادي بشكل علني بتطبيق 1701 بحذافيره بحسب ما أبلغ بعض سفراء الخماسية والموفد الأميركي آموس هوكستين، وهو منفتح على النقاش بملفّ الاستراتيجية الدفاعية بعد انتخاب رئيس الجمهورية. لذلك كلّ رهان على مواجهة مسيحية-شيعية هو رهان خاسر وفي غير محلّه، فيما كلام باسيل الداعي إلى إنجاز الاستحقاق الرئاسي من “دون الشيعة” هو ضرب على وتر الفتنة واستهداف مباشر لروحية الدستور”.
الحزب: “فلترة” الحلفاء
في المقلب الآخر، لا كلام إطلاقاً من جانب قيادات الحزب لجهة مصير العلاقة مع حليف مار مخايل، وهو أمر ينطبق أيضاً على الحديث في ملفّ رئاسة الجمهورية.
لكنّ القريبين من الحزب يقولون: “سبق للسيّد نصرالله قبل أشهر من استشهاده أن أكّد “أنّنا لن نستثمر انتصارنا في المعركة ضدّ العدوّ في الداخل اللبناني”، ملمّحاً يومها إلى رئاسة الجمهورية. اليوم الحزب لا يزال على موقفه، لكنّ الفارق أنّ هناك من أهل بيئته، قبل أخصامه، من يعتبر أنّ الحزب خسر ولن يكون قادراً على فرض شروطه، ومن ضمنهم جبران باسيل”.
في نهاية المطاف، يضيف هؤلاء: “ستنتهي الحرب وسيكون الحزب، في ضوء التسوية التي ستقود إلى وقف إطلاق النار، أمام إعادة هيكلة كبيرة لشبكة علاقاته في الداخل و”فلترة” للحلفاء. وهذه من أهمّ نقاط القوّة التي سيحافظ عليها الحزب في عمله السياسي في المرحلة المقبلة وستترجم في استحقاقات الرئاسة وتشكيل الحكومة والانتخابات النيابية المقبلة”.