كشفت مصادر من الحرس الثوري في إيران لـ”عربي بوست”، عن أسباب الرد الإيراني في 1 تشرين الأول 2024، بشكل مفاجئ، على الرغم من التزامها سياسية “الصبر الاستراتيجي” طويلاً، رغم الاغتيالات التي قام بها الاحتلال داخل إيران وسوريا وضد قيادات حزب الله في لبنان.
وشنت طهران هجوماً بالصواريخ الباليستية ضد الاحتلال الإسرائيلي، معلنة أنه يأتي رداً على اغتياله السيّد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت في 27 أيلول 2024، وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في شهر تموز 2024 في العاصمة طهران.
مصدران في الحرس الثوري الإيراني، أحدهما مقرب من الجنرال اسماعيل قاآني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، قالا لـ”عربي بوست”، إن من ضمن الأسباب التي دفعت طهران للتخلي عن صبرها الاستراتيجي والرد بهجوم صاروخي ضخم على الاحتلال الإسرائيلي، “كان التهديد بفقدان السيطرة على باقي الحلفاء في محور المقاومة”.
وأوضحا أنه “في اجتماعات متكررة بين قائد فيلق قدس إسماعيل قاآني والحلفاء في العراق واليمن، لمس الجنرال الإيراني رغبة منهم بالذهاب نحو التصرف بشكل منفرد، بعيداً عن إيران، إذا اصرت القيادة الإيرانية بالتمسك بالصبر الاستراتيجي بعد اغتيال السيّد حسن نصرالله”.
وقال المصدر المقرب من قائد فيلق القدس لـ”عربي بوست”: “بعد يومين من اغتيال السيّد حسن نصرالله، اجتمع قاآني بفصائل المقاومة العراقية الذين كانوا غاضبين للغاية من الموقف الإيراني المتمثل في التهدئة، وعدم الانجرار إلى صراع أوسع نطاقاً مع إسرائيل”.
وأضاف أن، “قاآني أبلغ خامنئي أنه يخشى فقدان السيطرة على الحلفاء في محور المقاومة، كما أنه يخشى من قيامهم بعمل واسع النطاق ضد إسرائيل دون الرجوع إلى طهران أو التشاور مع القادة في الحرس الثوري”.
من الأسباب الهامة التي دفعت إيران إلى الرد بحسب المصادر، هي “رسالة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى الشعب الإيراني”، بعد اغتيال نصرالله.
وكان نتنياهو وجّه قبل يوم من الرد الإيراني، رسالة متلفزة للشعب الإيراني، محذراً إياه من أن حكومته تدفعه أقرب إلى الهاوية، محرضاً إياه على ما أسماه “تحرير إيران من الحكام الدينيين”.
وجاء في خطابه للشعب الإيراني: “لا تسمحوا لحفنة من الحكام الدينيين بسحق تطلعاتكم وأحلامكم، عندما تتحرر إيران أخيراً وسوف تأتي هذه اللحظة أسرع بكثير مما يتصوره الناس فإن كل شيء سيكون مختلفاً”.
علق مسؤول رفيع المستوى من مكتب خامنئي على هذه الرسالة، قائلاً لـ”عربي بوست”: “أزعجت هذه الرسالة المرشد الأعلى شخصياً، وكانت دافعاً من ضمن دوافع أخرى لتوجيه الهجمات الصاروخية على إسرائيل”.
وقال: “تخشى القيادة الإيرانية من أن يلجأ الإسرائيليون إلى استخدام المعارضة الخارجية أو العملاء الذين يعملوا لصالح الموساد داخل إيران لزعزعة أمن واستقرار البلاد، في هذا الوقت العصيب”.
من جانبه، قال مصدر رفيع المستوى من الحرس الثوري الإيراني مفضلاً عدم ذكر اسمه، إن “الرد كان حتمياً، لأن التمسك بعدم الرد والصبر الاستراتيجي كان سيعرض مكانة إيران وهيبتها للخطر، وسط حلفائها في محور المقاومة، وأنصارها”.
وأشار إلى أن عدم الرد “تسبب بخلافات حادة داخل القيادة العليا لإيران، التي دارت لأيام بعد إعلان الاحتلال الإسرائيلي اغتيال الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله”.
وقال إنه “بعد اغتيال هنية، كان بعض كبار قادة الحرس الثوري يرون أنه من الضروري الرد على البجاحة الإسرائيلية في أسرع وقت، لكن المرشد الأعلى والرئيس الجديد قررا حينها التريث، وعدم الانجرار للفخ الإسرائيلي، لكن جاءت الصدمة والضربة الكبرى لإيران باغتيال نصرالله”.
بحسب المتحدث ذاته، فإن القيادات الإيرانية ما تزال تعيش في حالة صدمة من اغتيال السيّد حسن نصرالله، وتسبب ذلك بزيادة الخلافات بين الرئيس الإيراني الإصلاحي وأنصاره وبين الدوائر الأصولية، والقادة العسكريين لضرورة الرد على اغتيال أهم وأكبر حليف لإيران في محور المقاومة.
وأوضح أنه “حتى بعد اغتيال نصرالله والصدمة التي كنا نعيشها، كان السيد پزشكيان يقترح في الاجتماعات أنه من المفترض عدم الانجرار للفخ الإسرائيلي، وهو ما آثار غضب كبار قادة الحرس الثوري الذين أخبروا خامنئي بأنه إذا صمم پزشكيان على رأيه، فإنهم يرفضون حضور أي اجتماعات يحضرها، محذرين القيادة العليا من زيادة تجرأ إسرائيل ضد إيران وحزب الله”.
مصدر أمني من مكتب المرشد الأعلى الإيراني، قال لـ”عربي بوست” إن “خامنئي كان يريد الانتقام بعد اغتيال نصرالله، فهو صديق مقرب للغاية، ومن الأشخاص القليلين الذين يحظون بمكانة خاصة لديه، وكان يرى أن الرد حتمي، ولكن لابد أن يكون وفقاً لقواعد وضوابط معينة”.
كان لافتاً في الرد الإيراني تجنب استهداف الأماكن المكتظة، وأن القيادات الإيرانية تقول إن الهجوم الإيراني حقق هدفه بإلحاق الضرر بمواقع عسكرية إسرائيلية عدة داخل تل أبيب، دون اللجوء إلى استهداف أهداف بشرية كما حددت القيادة العسكرية الإيرانية.
من الأسباب أيضاً التي شكلت ضغطاً على طهران للقيام بالرد بحسب المصادر الإيرانية، بدء تل أبيب عملية برية محدودة في جنوب لبنان، تهدف لتفكيك البنية التحتية العسكرية لحزب الله.
في هذا الصدد، يقول مصدر من مكتب المرشد الأعلى الإيراني ومطلع على الاجتماعات الأخيرة في مجلس الأمن القومي الأعلى الايراني، لـ”عربي بوست”، إن “حزب الله هو جوهرة تاج محور المقاومة، وتفكيكه يعد خطاً أحمر بالنسبة لطهران”.
متحدثاً عن أهمية حزب الله عند إيران، قال: “في طهران كنا نقول إنه إذا قررت إسرائيل يوماً ما مهاجمة إيران، فسيكون حزب الله هو خط الدفاع الأول عن الجمهورية الإسلامية، فهو الأقوى، ويمتلك ترسانة هائلة من الأسلحة والصواريخ، والأقرب جغرافياً”.
وتابع بأن “قاسم سليماني كان يقول إنه مطمئن على أمن واستقرار إيران طالما حزب الله صامد وقوي، لكن الآن أصبح هذا الأمر موضع شك”.
ونقل أن “قادة الحرس الثوري أبلغوا خامنئي أن أي عملية برية إسرائيلية في جنوب لبنان من الممكن أن تتوسع إلى احتلال للجنوب كما حدث في الماضي، وهذا يعني تفكيك القدرات الاستراتيجية لحزب الله، وتدمير بنيته التحتية العسكرية”.
وأوضحت المصادر الإيرانية أن “إيران تنظر إلى حزب الله على أنه يمثّل لها منذ الثمانينيات خط مواجهة للاحتلال الإسرائيلي في لبنان، وخط الدفاع الأساسي عن مصالحها، لكن طهران باتت الآن مهددة بفقدان أهم وأكبر قوة في محور المقاومة”.
لذلك، قامت إيران بالرد بالهجوم الباليستي في أعقاب اغتيال السيّد حسن نصرالله، ولمحاولة الضغط على إسرائيل، وتشتيت انتباهها عن حزب الله، ولو قليلاً.
الأمر ذاته أكده مصدر مطلع من مكتب المرشد الأعلى، قائلاً لـ”عربي بوست”: “فقدان حزب الله بمثابة غزو إسرائيلي للأراضي الإيرانية، وكارثة على كافة المستويات، وإن عدم الرد على اغتيال نصرالله كان يعني أن إيران أصبحت غير قادرة على حمايته، لذلك كان من الضروري القيام بالرد على إسرائيل”.
لكن المصدر أوضح أن كبار القادة العسكريين كانوا يريدون هجوماً أشد وأوسع نطاقاً لمنع انهيار حزب الله.
يشار إلى أنه منذ 23 أيلول 2024، يشن الاحتلال الإسرائيلي “أعنف وأوسع” هجوم على لبنان منذ بدء المواجهات مع “حزب الله” قبل نحو عام، ما أسفر عن استشهاد نحو 1120 شخصاً في لبنان، بينهم أطفال ونساء، و3040 جريحاً، ومليون و200 ألف نازح، وفق بيانات رسمية لبنانية.
ويطلق حزب الله صواريخ وطائرات مسيّرة وقذائف مدفعية بكثافة ضد الجيش الإسرائيلي، ويستهدف مواقع عسكرية ومستوطنات، وسط تعتيم إسرائيلي صارم على الخسائر البشرية والمادية، ورقابة على نشرها.
ومنذ 8 تشرين الأول 2023 بدأ حزب الله وفصائل فلسطينية في جنوب لبنان قصفاً يومياً عبر “الخط الأزرق” الفاصل، قام الاحتلال على إثر ذلك بإفراغ مستوطنات الشمال من المستوطنين، وببدء عملية برية محدودة في تشرين الأول 2024.