لم تكُن ضربة الضاحية الجنوبيّة يوم أمس عادية بتاتاً، بل كشفت عن أمرٍ مهم جداً وإشارات لا يمكن المرور عليها بشكلٍ عابر.
يوم أمس، كان “حزب الله” هادئاً جداً في التعاطي مع الضربة، فالإستنفار “محدود” باعتبار أن الإنشغال الأكبر كان بتأمين النازحين من جنوب لبنان الذين توافدوا إلى بيروت ومناطق جبل لبنان. ولكن، ورغم كل ذلك، كان اهتمام “حزب الله” بمكانٍ آخر، فقصف الضاحية كان تحت الرصد والرقابة الداخلية في الحزب بشكل كبير.
3 إشارات ظهرت بعد ضربة الضاحية، الأولى ترتبط بالقيادي في “حزب الله” علي كركي الذي قيلَ إنه تم استهدافه لكن الحزب نفى ذلك، مؤكداً أنه “بخير” وأنه “انتقل إلى مكانٍ آمن”. أمّا الإشارة الثانية والتي ظهرت فهي أن الحزب أصدر بيانه بسرعة عن كركي، وهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها وبسرعة عن مصير قياديّ رغم أن الدمار كان مُحققاً في المبنى المستهدف، وبالتالي كان الحسمُ “بسرعة البرق”، وهذا الأمر لم يحصل سابقاً.
على صعيد الإشارة الثالثة، فقد ارتبطت بالحديث عن كلامٍ انتشر ليلاً ويفيد بأن “حزب الله” اكتشف “جاسوساً خطيراً” من خلال ضربة الضاحية التي قيل إنها جاءت عبر “معلومات تضليلية” كشفت “إشعاراً خاطئاً عن مكان تواجد كركي”، علماً أن الحزب وفي بيانه عن الحادثة أسس لتساؤلات مختلفة وهي: هل كان كركي فعلاً في المبنى المستهدف وتم إخلاؤه قبل الضربة أم أنه لم يكن في الأصل هناك وبالتالي كان الإستهداف مكيدة جهزها حزب الله للإسرائيليين لاستدراجهم إلى عملية فاشلة تطالُ مبنى تم إخلاؤه مسبقاً؟
عملياً، إن نجح “حزب الله” في “إصطياد إسرائيل” عبر معلومات مضللة، فإن هذا الأمر يعني الدخول في حرب إستخباراتية جديدة، هدفها بالدرجة الأولى استدراج العملاء والجواسيس الذين يسربون معلومات “الصف القيادي” للإسرائيليين.
حتى الآن، لا شيء يجزمُ فرضية التضليل ومسألة اكتشاف العملاء، في حين أنّ مصادر “حزب الله” لم تنفِ ولم تؤكد، ما يُشير إلى وجود “خيط أبيض” في القصة ويوحي بأنّ هناك شيئاً ما قد فعله الحزب لضبط وضعه الإستخباراتي، فيما “ضابط الإيقاع” لكل ذلك هو أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي قرر خوض حرب إستخباراتية بنفسه لضبط وضع الحزب من دون الحاجة إلى الإيرانيين أو إلى أي فصيلٍ آخر.
أمام كلّ ما يحصل، يتبيّن أن نصرالله انكبّ فعلياً على منح الواقع الأمني ضمن الحزب حيزاً كبيراً من اهتماماته، فيما تكشف المعلومات أنّ الأخير كان واضحاً في خطابه باتجاه المسؤولين في الحزب وهي أن اكتشاف العملاء أمرٌ لا بدّ منه.
وإن كان الجاسوس الذي يتم الحديث عن اكتشافه مسؤولاً كبيراً في “حزب الله”، فإن ما يعزز فرضية انكشافه هو 3 أحداث وهي: اغتيال القيادي فؤاد شكر وضربة الضاحية التي أدت إلى استشهاد 16 قائداً من قوة الرضوان والإستهداف الذي طال الضاحية أيضاً يوم أمس. هنا، فإن هذه الاغتيالات هي التي أسست ومهدت لاقتراب الحزب من اكتشاف الجاسوس الخطير، علماً أن هناك اغتيالات حصلت سابقاً لكن لم تأخذ أهمية كبرى كهذه الأخيرة.. فما السبب؟ التبرير الأساس في هذا الإطار قد يكون في أن القادة الذين تم اغتيالهم أمثال محمد نعمة ناصر وطالب سامي عبدالله، كانوا ضمن سيارات متنقلة في جنوب لبنان، ما يعني أن إمكانية حصول استهداف لهم بسبب ثغرة اتصالية أو استخباراتية أمرٌ وارد باعتبار أن الإسرائيلي لديه التقنيات التي تمكنه من رصد الهدف المكشوف على الطريق. أما في ما خص استهداف شكر وقادة الرضوان، فالمسألة اختلفت، والسبب هو أن العمليات حصلت ضمن الضاحية الجنوبية وفي مقرات ومراكز وعلى صعيد شخصيات لا يعلم بها بتحركاتها سوى الصف القيادي الأبرز، وهنا النقطة الحساسة.
إذاً، وأمام كل ذلك، يُصبح واقعاً جداً لجوء الحزب إلى عمليات التفافية “إستخباراتياً” لكشف المسربين والجواسيس، علماً أن تلك المسألة قد تؤدي إلى تغيرات كبيرة من شأنها أن تُبدل واقع المعركة.. فهل حقاً سيكون الحزب أمام مسارٍ مختلف بعد اكتشاف أي جواسيس؟ وهل حقاً أوقف بعضاً من هؤلاء؟ هنا، فإن أصرح إجابة على هذا الكلام هو إجابة أحد المسؤولين البارزين في “الحزب” على هذه المسألة عبر القول “الله أعلم”… الكلام هنا يحتملُ فرضيتين، الأولى وهي أن هذا المسؤول “يتحاشى الرد لأنه لا يعرف أو لأنه يعلم ولا يريد أن يكشف ما يجري، والسيناريو الثاني هو الأقرب!