في الوقت الذي ينتظر فيه مودعون صدور آلية مصرف لبنان للاستفادة من التعميم 166، بدأ بنك عودة بتطبيق هذا التعميم منذ بداية آذار الجاري من دون انتظار آلية البنك المركزي الخاصة بمنح المودعين مبلغ 150 دولاراً شهرياً، كما أكدت مصادر في المصرف لـ”نداء الوطن”، مشدّدة على أن “آلية مصرف لبنان لم تصدر بشكل رسمي لتطبيق التعميم بعد، لكن البنك منذ شباط الماضي بدأ بإرسال طلبات المودعين الى المركزي تباعاً للبتّ فيها. وفي الوقت نفسه، اتّخذ قراراً خاصاً بعدم الانتظار وبدأ بتطبيق التعميم على مسؤوليته وبناءً على تعهّد المودع بأنه تنطبق عليه شروط الاستفادة من التعميم 166 منذ بداية الشهر الحالي”.
مصادر المصرف المركزي أكّدت لـ”نداء الوطن” أن “آلية فرز المودعين بين مستحقين وغير مستحقين باتت على سكّة التنفيذ في المصارف. وخلال دورة الاجتماعات التي حصلت بين الطرفين الأسبوع الماضي، جزمت المصارف أنها حاضرة للبدء بتطبيق التعميم فور صدور الآلية من المركزي بشكل رسمي، لكنّ هذا الأمر لا يزال يحتاج الى مزيد من الوقت بالنسبة لمصرف لبنان”.
من جهته، يؤكد عضو مجلس الإدارة التنفيذي في “سيدروس إنفست بنك” الوزير السابق رائد خوري لـ»نداء الوطن» أن «المصارف لا تزال تنتظر المركزي لينجز آليته المتعلّقة بفرز المودعين، بين من تنطبق عليهم شروط الاستفادة من التعميم وبين آخرين لا يحقّ لهم ذلك. علماً أن المصارف سلّمت المركزي لوائح بأسماء المودعين الذين ترى أنهم مؤهّلون، للاطّلاع عليها وإنجاز المقاصة وتطبيق الآلية وإعطائها الضوء الأخضر لتطبيق التعميم. ولكن الى الآن الأمور متوقّفة على جواب المركزي».
على أرض الواقع، يعترف أحد المصرفيين أن تعامل المصارف مع التعميم 166 ينقسم الى قسمين. الأول: هناك مصارف سمحت للمودعين بتقديم طلبات الاستفادة وهي ترسلها تباعاً الى المركزي بانتظار تطبيق الآلية اللازمة، أي التأكد من أن المودع يستفيد من مصرف واحد ولم يتداول على منصة صيرفة فوق مبلغ 75 ألفاً وغيرها من الشروط التي نصّ عليها التعميم، والثاني: مصارف تتملّص من تطبيق التعميم ولم تقبل الى الآن البدء بإجراءات تقديم الطلبات من قبل المودعين».
والسؤال الذي يطرح هنا هو: لماذا لا تقدم كل المصارف على الخطوة التي قام بها بنك عودة، لا سيّما أن المبلغ الذي ينصّ عليه التعميم هو زهيد؟ يجيب رئيس مركز الأبحاث في بنك بيبلوس “نداء الوطن” بالقول: “التعميم صادر عن مصرف لبنان وليس عن جمعية المصارف، وهذه الأخيرة مضطرة للالتزام ببنوده وآلية التطبيق، ولذلك بدأت باستقبال الطلبات ودرسها والإجابة عنها، في حال أراد أي مصرف تجاوز هذه الآلية، فهذا أمر آخر يخصّ المصرف نفسه”.
يوافق غبريل على أن “سحوبات التعاميم التي تتراوح بين 150 و300 و400 دولار لردّ أموال المودعين هي مبالغ هزيلة وهي أمر معيب برأيه، لكن رفع سقفها ليس بيد المصارف أو المركزي، بل على الدولة تحمّل جزء من المسؤولية وليس الهروب منها كما حصل في مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف، وهي قادرة على ذلك وإلا سيبقى سقف السحوبات مقتصراً على هذه المبالغ الضئيلة”.
في المقابل يعتبر غبريل أن “المصارف قامت بأكثر من خطوة لحفظ حقوق المودعين، ومنها أنها قدّمت لمجلس شورى الدولة اعتراضاً على مشروع الحكومة، في البند المتعلّق بشطب 60 مليار دولار من الودائع المصرفية في مصرف لبنان أي أموال المودعين، ومجلس الشورى قبل الطعن وقال بشكل واضح إن لا السلطة التشريعية ولا الرقابية (مصرف لبنان) يحقّ لهما شطب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة التزامات مصرف لبنان تجاه المصارف”.
يضيف: “الخطوة الثانية لحفظ حقوق المودعين هي أن 11 مصرفاً قدّمت مذكرة ربط نزاع لوزارة المالية للمطالبة بدين المركزي على الدولة وتطبيق المادة 113 من قانون النقد والتسليف”. ويختم: “تمويل التعاميم من المصارف وليس من مصرف لبنان، وحين يقال إن التمويل مناصفة بينهما، فهذا يعني أن المركزي يستعمل الاحتياطي الإلزامي لتسديد الودائع”.
على صعيد آخر، نفى وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل ما يتردّد عن تحديد سعر صرف السحوبات على الـ25000 ل.ل للدولار الواحد، وقال إن «لا صحة لذلك»، وكذلك حيال تقاذف المسؤوليات في أخذ القرارات، لافتاً إلى أن “وزارة المال كانت أوّل من أطلق مسار توحيد سعر الصرف مع موازنة 2022 وستبقى داعمة لهذا المسار، كركيزة للتعافي المالي والنقدي”.
وأشار في تصريح، إلى أنه “في هذه الظروف الاستثنائية، وفي غياب التشريعات والقوانين المؤاتية لعملية استرجاع الودائع بطريقة مستدامة، يبقى البتّ بموضوع السحوبات المصرفية اليوم أمراً ملحّاً لتفادي التضليل والاستنسابية والإطاحة بحقّ المودعين”، مشدّداً على أنّ “ذلك يتطلّب دراسة دقيقة للمعطيات في ما يخصّ الإمكانات المتوفّرة لدى المصرف المركزي، وذلك حرصاً على عدم المسّ بالاستقرار المالي والنقدي من جهة، وحرصاً على ضمانة حقوق المودعين من جهة أخرى”.
وكشف الخليل في هذا الإطار أنه في تواصل دائم مع السلطات النقدية لتزويد الوزارة بالإمكانات المتوفّرة للسحوبات المصرفية خارج التعاميم (التي لا تطال إلا نسبة قليلة من المودعين) وبالسقوف المتاحة للسحوبات وفق سيناريوات تضمن حقّ كافة المودعين في صرف ودائعهم (اختيارياً)، مشيراً الى أنّ “تكبيل الودائع الى حين إقرار القوانين المؤاتية، يرتّب كلفة على الاقتصاد وعلى المودع»، مجدِّداً في هذا الإطار دعمه السلطات النقدية في عملية توحيد سعر الصرف، ومؤكداً أنه لن يتردّد في تحمّل مسؤولية القرار المناسب في ظل توفّر المعطيات اللازمة، التي وفور استلامها من المصرف المركزي سوف يعرضها ويناقشها مع الحكومة، «لاتخاذ الإجراءات التي تخدم المصلحة العامة.