أيام قليلة تفصلنا عن نهاية سنة وبداية سنة جديدة لا يمكن توقع ما ستحمله للبنان واللبنانيين من تطورات سياسية واقتصادية وأمنية، فالبلاد الغارقة والمُثقلة بالأزمات دخلت في القسم الأخير من السنة في أجواء توتر وخوف من توسع رقعة الحرب على لبنان مع تواصل الحرب الإسرائيلية في غزة والقصف اليومي على الجنوب. وبعد صيف واعد سياحيا ضربت حرب غزة كل التوقعات بأن تكون سنة 2023 الأفضل سياحيا واقتصاديا في السنوات الأخيرة أي منذ بدء الأزمة المالية في تشرين 2019.
خبراء اقتصاديون تحدثوا عبر “لبنان 24” عن التوقعات والتحديات الاقتصادية التي تنتظر لبنان في عام 2024، وعلى الرغم من النظرة التشاؤمية في حل بعض الأزمات ثمة مؤشرات بأن السنة الجديدة ستحمل إيجابيات على الصعيد الاقتصادي.
تحديات اقتصادية كبرى
الخبير المالي والاقتصادي الدكتور بلال علامة اعتبر عبر “لبنان 24” ان ثمة تحديات اقتصادية عديدة تنتظر اللبنانيين في الـ 2024 وعدد أبرزها:
- استمرار الانكماش الاقتصادي والركود الذي عاد في الفصل الأخير من سنة 2023 بعد فترة انتعاش متأثرا بحرب غزة وما يحصل في فلسطين وجنوب لبنان .
- انخفاض التدفقات المالية بالدولار الأميركي التي كان لبنان يرتكز عليها .
- تحدي إعادة سحب الكتلة النقدية سواء بالدولار او بالليرة من السوق وإعادتها إلى دائرة العمل المصرفي.
- توحيد سعر الصرف بكل ما تحمله هذه العملية من مخاطر في ظل تقاعس السلطة السياسية عن إقرار القوانين الإصلاحية بدءا من “الكابيتال كونترول” مرورا بإعادة هيكلة القطاع المصرفي وخطة التوازن المالي وتعديل بعض القوانين وأهمها قانون النقد والتسليف والمالية العامة.
ومع انسداد الأفق رئاسيا وبانتظار إعادة تحريك المُبادرات بغية التوصل لانتخاب رئيس وإعادة انتظام الحياة السياسية تكثر التساؤلات عما ينتظرنا في العام الجديد اقتصاديا لاسيما بعد توقف منصة صيرفة وانتظار إطلاق العمل بمنصة بلومبرغ، ومن بين الأسئلة التي يطرحها اللبنانيون أيضا هل سيستمر الاستقرار في سعر الصرف؟ وهل سيتم توحيده؟ وماذا عن قانون “الكابيتال كونترول” وإعادة هيكلة المصارف؟
- تحدي الحرب وما يحصل في البحر الأحمر لناحية إعاقة حركة الملاحة البحرية وارتفاع تكلفة الشحن والمصاريف والتأمين ما سينعكس سلبا على أسعار السلع عالميا وفي لبنان أيضا.
- التضخم وكيفية لجمه حيث وصل في لبنان إلى مستويات قياسية.
- إعادة النظر برواتب القطاع العام خارج إطار “الترقيع” الذي يحصل في هذا الملف أي إعطاء مساعدات اجتماعية وهيكلة الرواتب بما يتناسب مع الواقع الاقتصادي.
- فشل خطط الكهرباء والاتصالات حيث ان القطاعين مع نهاية الـ 2023 شهدا تراجعا كبيرا في الخدمة على الرغم من كل الزيادات التي وضعت على الرسوم والضرائب.
وشدد علامة على ان “التحديات الاقتصادية كبيرة جدا في الـ 2024 وربما ستكون الامتحان الأخير للسلطة قبل الانفجار الاجتماعي في حال لم يتم معالجة هذه الازمات”.
عام الانفراج
بدوره، اعتبر خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي عبر “لبنان 24” انه “يجب الإضاءة على عدة محاور أساسية في الـ 2024 مع دخول لبنان سنته الرابعة على صعيد الأزمة الاقتصادية”.
وأشار إلى ان “هناك المشهد النقدي، وأداء السلطة السياسية وانعكاساته على المشهد المالي او المالية العامة إضافة إلى المشهد الاقتصادي بشكل عام”.
ورأى فحيلي ان “المشهد النقدي في طور التعافي بشكل تدريجي”، مشيراً إلى ان “ما فعله مصرف لبنان على صعيد المشهد النقدي انشأ مسارات عدة منفصلة عن بعضها البعض حيث أعطى لنفسه مساحة للتصرف، فانشأ مسار سعر الصرف الرسمي وسعر صرف السحوبات من الحسابات المصرفية سواء أكانت تحت أحكام التعميم رقم 151 او تحت أحكام التعميم 158 “.
ولفت إلى انه “في الـ 2024 على مصرف لبنان ان يتحرّك وان يحث المصارف على إطلاق عجلة إعادة ترميم الثقة من خلال إطلاق عجلة التواصل الإيجابي مع المودعين ومع مكونات الاقتصاد اللبناني وإقناع المؤسسات بإعادة توطين رواتب وأجور الموظفين في حسابات مصرفية، في المقابل يقع على عاتق المصارف تفعيل العمل بوسائل الدفع المُتاحة أي الشيكات وبطاقات الدفع والائتمان والتحاويل خصوصا داخل لبنان .”
وأوضح انه “عندما يُعدل سعر صرف السحوبات تحت أحكام التعميم رقم 151 يصبح استخدام وسائل الدفع سهلا ولكن للحد من الضغوطات التضخمية ومن المُضاربة في سوق القطع بالعملة الأجنبية يجب وضع حدود وسقوف على السحوبات النقدية”.
وبالنسبة لتحديد سعر الصرف، قال فحيلي: “الدولة هي من يجب ان تحدد سعر الصرف وان تقر قانون “الكابيتال كونترول” وعلى مصرف لبنان ان يعمل كراع للقطاع المصرفي ،وانا اعتقد انه في الـ 2024 سيتم تفعيل دور الهيئات الرقابية في الجهاز المصرفي، أي لجنة الرقابة على المصارف وهيئة التحقيق الخاصة، وسنرى عودة للحياة في القطاع المصرفي من خلال التعاميم التي صدرت سابقا مثل التعميم 165 الذي يسمح بفتح حسابات جديدة بالدولار الفريش والليرة اللبنانية الفريش وهذه الحسابات محررة من أي مخاطر ائتمانية والاستمرار بمعالجة الحسابات التي أرصدتها مثقلة بالمخاطر الائتمانية التي هي بالدولار المحلي”.
وتابع فحيلي: “ذاهبون باتجاه انفراجات والعودة إلى الشمول المالي في ما يخص المشهد النقدي كما ان الاستقرار بالليرة اللبنانية مستمر لأن لا مبرر اقتصاديا لعودة الاضطرابات في سوق القطع بالعملة الأجنبية خاصة ان الطلب على الدولار خف كثيرا لأن مكونات القطاع الخاص تستلم إيراداتها بالدولار وتدفع نفقاتها بالدولار ويبقى القطاع العام الذي يتوجب عليه ان يتأقلم مع هذه المتغيرات”.
وعن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، استبعد حصول هذا الأمر خلال عام الـ 2024 لأن موازنة السنة الجديدة ستبقى “متعثرة ” والقرارات الإصلاحية ستكون صعبة قبل انتخاب رئيس للجمهورية.
وتابع: “الصمود الاقتصادي مستمر وسنذهب إلى مرحلة الإنعاش والتعافي، وفي هذه المرحلة فقط يجب ان نبدأ الحديث عن إصلاحات ونمو اقتصادي فأي محاولة الآن للإصلاحات ستكون تداعياتها مؤلمة سواء في القطاع الخاص او القطاع العام “.
وشدد على انه “على الدولة القيام بإعادة هيكلة للتخفيف من المصاريف التشغيلية لتفعيل إيراداتها من خلال الحد من “الزبائنية” السياسية والفساد، أي إلغاء كل الإعفاءات الضريبية والامتيازات الضريبية والتخفيف من المصاريف وترشيد الإنفاق وتفعيل الإيرادات”.
وأكد فحيلي ان “الـ 2024 ستكون سنة الفرج بالنسبة للمشهد النقدي بلبنان”، وأشار إلى ان “سعر صرف الليرة 90 ألف للدولار الواحد هو سعر منطقي”، مستبعدا ان “تتحرك السلطة النقدية لخفض سعر صرف الدولار لأن مثل هذا الأمر ستكون له تداعيات سلبية على القطاع الخاص أكثر من القطاع العام .”
وختم قائلا: “الاستقرار يجب ان يكون سيد الموقف في الـ 2024 وهو سيستمر، كما ان العودة إلى العمل بوسائل الدفع المُتاحة من خلال القطاع المصرفي سوف تتفاعل وتتكاثر مع مرور الأسابيع والأيام المُقبلة وسنرى حلحلة على صعيد مشروع موازنة الـ 2024 لجهة اعتماد سعر صرف واحد والذي هو 89500 لاحتساب الإيرادات والنفقات وسوف تقر الموازنة ولكن الأمر الوحيد الذي يبقى ضبابيا هو ماذا سيحصل بقانون الكابيتال كونترول بسبب استبعاد حصول انتخاب رئيس للجمهورية قريباً.”
إذا التوقعات تُشير إلى ان عام 2024 سيكون عام الانفراج المالي والاقتصادي في حال عدم حصول تطورات مُفاجئة وطارئة في المشهد اللبناني على أمل ان تترافق مع انفراجات سياسية ووقف التصعيد جنوبا.