القصفُ الإسرائيليّ الذي طالَ عدداً من مناطق جنوب لبنان الحدوديّة، يوم أمس، بالقنابل الحارقة والفسفوريّة، لم يأتِ عن فراغ أبداً، بل الهدف منه عسكريّ بالدرجة الأولى ويرتبطُ بسعي جيش العدو الإسرائيلي لكشفِ الميدان عند أطراف الحدود بعد الخسائر التي مُني بها بفعل عمليات “حزب الله” المتصاعدة.
الكلامُ هنا ينبعُ من تحليل طبيعة الأرض التي ينفذ منها الحزبُ عملياتهُ ضدّ المواقع الإسرائيليّة. فعلياً، فإنّ المقاومين ينطلقون من أرضٍ حُرجية تتضمن أشجاراً كثيفة، والهدف من ذلك هو إعتماد “التخفّي” والإحتماء بالأشجار أثناء تنفيذ العمليات. الأمرُ هذا بديهي ومعروف، لكن إسرائيل، وعلى ما يبدو، قرّرت مقارعة الشجرة التي يتخفّى خلفها عناصر “حزب الله”، فأمرت جيشها بحرق الأحراج المحاذية للحدود كي تنكشف الأرضُ أمام طائراتها وتمنع المقاومين من التسلل بإتجاه المواقع العسكريّة.
ماذا يفعل “حزب الله” حالياً؟
ما يحصل يُمثل بكل بساطة “سياسة الأرض المحروقة”، وما فعلته إسرائيل خلال السّاعات الماضية في جنوب لبنان يُمكن أن تتكرّر، ما يعني أنّ مشهدية القصف بالقنابل الحارقة والفسفوريّة قد يتجدّد من أجل تعقيد مهمّة المقاومين عند الخطوط الأماميّة. إلا أنه في المقابل، يُدرك “حزب الله” ظروف المعركة التي يخوضها وسُبل تعقيداتها، وما يقوم به حالياً لا يمت إلا إلى نمط عمليات تقليديّ لم تُكشف خلالها مستويات غير مألوفة من القتال. عملياً، فإن مشاهد إستهداف المواقع الإسرائيلية وعملية الإقتراب منها وإطلاق النار عليها تُعيد الذاكرة إلى عمليات مماثلة نفذها “حزب الله” قبل تحرير الجنوب عام 2000، في حين أن المفاجآت الكبرى التي حصلت عام 2006 إبان “حرب تموز”، تمثل بعضها بإطلاق صواريخ بعيدة المدى وتدمير المدرعات، الأمر الذي أرهق إسرائيل فعلاً آنذاك. اللافت أكثر في المعركة الحالية هو أن الحزب بدأ يعتمد أسلوب التمويه في فيديوهاته التي ينشرها عن عملياته وذلك من أجل عدم كشف الأماكن التي يطلق منها صواريخه، والإجراء هذا كفيلٌ بإحباط المساعي الإستخباراتية الإسرائيلية لكشف معطيات تهمّ جيش العدو ميدانياً.
ما يواجهه “حزب الله” الآن هو عملية إستهداف عناصره بشكلٍ مباشر من الجو، وإزاء ذلك يرتفع عدد الشهداء يومياً. ولتفادي هذا الأمر الذي تكرر كثيراً، من الممكن أن يبادر “حزب الله” إلى إعتمادِ “تكتيكات جديدة” تكشفُ عن أسلحة متقدمة لديه. فعلى سبيل المثال، شكّل إستهداف “الحزب” لطائرة إسرائيليّة بصاروخ أرض – جو رسالة مفادها إنه لدينا أسلحة جديدة ومختلفة ويُمكن أن تخلط الأوراق. هنا، تقول مصادر ناشطة في الشؤون العسكرية لـ”لبنان24″ إنَّ أسلحة دفاع جوي بإمكانها إحباط طائرات مسيرة ومقاتلات، ما يعني تصعيد العمل العسكري والإنتقال من المواجهة التقليدية إلى تلك الجديدة”، وأضافت: “المسألة هنا مرتبطة بالوقت وبمدى ما سيفرضه الميدان من مفاجآت يحضرها حزب الله، وعندها لكل حادث حديث”.
ما يتبين أيضاً هو أن “حزب الله”، ومتى ما زادت إسرائيل من استهدافها لعناصره، سيذهب بعيداً نحو إستخدام أوراقٍ لم يكشف عنها سابقاً. النقطة هذه مفصلية، وما تخشاه إسرائيل حالياً هو أن يعمد “حزب الله” حقاً إلى ضرب سلاح الجو الإسرائيليّ واعتماده نظام “المسيرات المفخخة”. من دون أدنى شك، من الممكن أن تشكل تلك الخطوة “رادعاً كبيراً” للطائرات الإسرائيلية لأنها ستتعرض لإستهداف يؤدي إلى ضرب “ساحة الميدان”، وبالتالي تراجع حدة القصف، ليس لأن إسرائي لا تريد ذلك، بل لأن “حزب الله” يُقلق الإسرائيليين بعمليات تصعيدية.
أمام كل ما يجري، سيعمل الحزب على 3 محاور الأولى وهي تقليل عدد شهدائه قدر الإمكان مع إحباط تسلل طائرات التجسس الإسرائيلية إلى لبنان عبر قصفها. المحور الثاني ويركز على تصعيد العمليات ونوعيتها تدريجياً، فيما المحور الثالث قد يرتبط بهجمات من “حزب الله” ضد أماكن لم تكن مألوفة من قبل.
إستناداً إلى تلك المعطيات وغيرها، يبدو أن الحزب وإسرائيل إنتقلا إلى مرحلة المواجهة الفعلية تدريجياً. عندها، سيختفي عناصر “حزب الله” وستكون المعركة “صاروخية” بإمتياز، ومن الممكن أن تُستخدم صواريخ نوعية جديدة لم تكن معهودة من قبل، ما يعني تبدلاً في مسار المعارك وإنقلابها رأساً على عقب… والسؤال: في حرب تموز كان مشهد إحراق الدبابات الإسرائيلية هو الأكثر بروزاً.. هل ستشهد هذه المرة على سيناريو أقوى يتمثل بإسقاط الطائرات الإسرائيلية واحدة تلو الأخرى؟ كل الأمور واردة، والميدان سيقال كلمته عاجلاً أم آجلاً.