نسمع كثيرا عبر وسائل الاعلام المحلية كما هو أيضا لسان حال المواطنين عن الفساد المستشري, عن تلك الطبقة السياسية التي بنت ثرواتها على حساب المواطن الفقير , تستغل تلك الطبقة مواقعها لتمتهن الرشوة وسرقة المال العام , تلك الطبقة تقوم بتعليم أبناءها في افضل الجامعات العالمية, تاركة المواطن تحت وطأة الأزمة الاقتصادية يستجدي الدخول الى المستشفيات ناهيك عن انهيار العملة الوطنية والأزمة الاقتصادية, معاناة يعيشها المواطن في كل يوم وفي كل دقيقة.
لسخرية القدرنرى السياسيين المتهمون الاوائل بالفساد هم ذاتهم يتحدثون ويتبجحون عن ضرورة مكافحة الفساد وتطهير الادارة من الفاسدين وهذا نكران لممارساتهم ورفض الاعتراف بالفشل , في هذا الاطار اردت ان القي الضوء على علاقة الفساد بالانحراف النرجسي وهو اضطراب بالشخصية يصيب الفرد حيث يتميز بعدة سمات أهمها : التلذذ بتخفيض قيمة الاخرين, لا يعترف بالخسارة ولا بالفشل , يحتاج دائما ضحية ليتحكم بها ليرضي نرجسيته الناقصة ,يستخدم ألية النكران, يرفض المنافسة, لا يهتم بالواقع الانساني ,لا يشعر مع الاخرين ,ووسيلته الخداع عبر الكلام.
في هذا السياق وجد المحلل النفسي جان كلود راكاميية صلة وثيقة بين هذا النوع من الشخصيات والنصابين والمحتالين, وبالتالي الفاسدين , ففي السياق التحليلي هناك عدة نقاط مشتركة بين المنحرف النرجسي والفاسد , فالفاسد يريد ان يجني ارباحا طائلة دون اي جهد يذكر على حساب الضحية عبر الخداع والنصب والاحتيال فهو يرفض المنافسة , ان المنحرف النرجسي يعيش شعور الجنون بالعظمة التي تعود جذوره الى العلاقة الانصهارية مع الام , لقد تعود الحصول على الاشياء بسهولة تامة منذ صغره لان امه عودته على ذلك ولم تساعده في الانفصال عنها نفسيا وتكوين أنا ناضج , لذلك هو يمارس نفس الالية في كبره ويعيد انتاجها فهو يتجنب المنافسة ويرفضها , ينتهج الاحتيال كوسيلة سهلة يصل بها الى هدفه وهذا ما نراه في الفساد , يستعمل السياسي الفاسد كالمنحرف النرجسي ألية الانكار فهو ينكر ان يديه ملتخطين بالفساد اذا تم اتهامه بذلك, ويستعمل الية الانشطار كوسيلة نفسية دفاعية حيث يرى الامور وكأن كل شيء على ما يرام لأنه هو يعيش بحالة من الرفاهية, فهو يستبعد المعاناة الذي يعيشها المواطن ويتجنب الحديث عن ذلك , فيقوم بشطر واقعه المليء بالراحة والثروة والرفاهية عن واقع المواطن ويتهرب من المسؤولية لانه لا يعرفها, فغالبا ما نسمع من المواطنين جملة : هودي السياسيين عايشين باللالالند , اي في عالم أخر, كما ان السياسي الفاسد يسعى لتبوؤ مراكز القرار والتمسك بها الى الابد فهذا يمكنه من السيطرة على الاخرين وجعلهم لعبة بين يديه وهذا ما نراه في السمات الاساسية للشخصيات المنحرفة نرجسيا.
^داني شربل : أختصاصي ومعالج نفسي.