قبل أيامٍ قليلة، خرجَ حاكمُ مصرف لبنان رياض سلامة بسلسلةٍ من التصريحات عن منصة “صيرفة” وسوق الدولار، فأكد أن المنصة لا علاقة لها بأي شركة، وهناك 450 ألف مودع يستفيد منها. حتماً، الكلامُ هذا يندرجُ في إطار إيجابيّ يسعى سلامة لتأكيده عن “صيرفة”، لاسيما بعد حملة التشكيك التي طالت جدواها الإقتصاديّة وعلى السوق المالي.
في الواقع، فإنّ سلامة لم يتطرّق في كلامه إلى الآليات التي يمكن أن يفعلها لضبط سوق الدولار، ولم يتحدّث عن مدى استمرارية “صيرفة” وتأثيرها اللاحق على عملية توحيد أسعار الصّرف. كذلك، لم يفتح سلامة الباب أمام الغوص في طريقة تعاطي المصرف المركزي حالياً ضمن سوق الدولار، لكنه في الوقت نفسه أعطى بعض المؤشرات الإيجابية عن النمو الإقتصادي، متوقعاً أن يتصاعد النمو إلى 4% خلال العام الجاري بعدما كان نحو 2% عام 2022.
في مُجمل الكلام الذي قيل، لم يكن خطابُ سلامة موجّهاً إلى السوق مباشرة بقدر ما أنه كان موجهاً لدحض كلامٍ حمل رسائل تفيد بأن مصرف لبنان ساهم بطريقة ما في تمويل “حزب الله” عبر تعامله مع شركة “CTEX” التي فرضت عقوبات أميركية مؤخراً عليها بذريعة أنّ لديها علاقات مالية مع الحزب. هنا، كان سلامة حريصاً في “تبسيط” دور تعامل المصرف المركزي مع “CTEX”، فحدّد مهمة الأخيرة بالتالي: “تبيع الدولار لمصرف لبنان” من دون أن يكشف مصدر سيولة الليرة التي بحوزة تلك الشركة لإتمام عملية الشراء قبل البيع، ومن دون أن يُعلن عن هامش الربح الذي تتلقاه الشركة لقاء تلك العملية.
السوق ضائع
في كلّ الأحوال، فإنّ ما نطق به سلامة يحتاجُ إلى “تسييل” فعليّ في سوق الصرف الذي مرّ عليه أسبوع كامل على لحظات ذروة توقيف الصرافين والمضاربين السبت الماضي. وحالياً، فإن الأمور ما زالت ضبابية، فحاكم مصرف لبنان لم يعلن عن مبادرات جديدة عبر منصة “صيرفة” ولم يدخل في تفاصيل ما قد يفعله البنك المركزيّ على صعيد التدخل في سوق الدولار. إضافة إلى ذلك، فإنّ سلامة كان بعيداً عن تفاصيل الحملة الأمنية ضدّ المُضاربين في السوق الموازية. أما الأمر الأهم فهو أنّ حاكم مصرف لبنان لم يتحدث بعدُ عن أدواته الجديدة بعد “CTEX” لجمع الدولارات، وعما إذا كان يتدخل فعلاً حالياً في السوق.
وأمام كل هذه المشهدية، فإن ما يتبين هو أن سوق الدولار ضائعٌ تماماً، فـ”فوضى الأسعار” هي التي تحكمُ واقع سوق القطع، في حين أنّ عمليات التسعير ترتبطُ بمجموعاتٍ جديدة تم خلقها عبر تطبيق “واتساب” بين صرافين صغار قدامى يسعون إلى تحريك السيولة الموجودة لديهم ضمن هوامش معينة لهدفين: الأول وهو تجنب أي خسارة قد تحصل، وثانياً الحاجة إليهم في ظلّ عدم وجودِ جهة واضحة يمكنها ضبط السوق “السائب” والمفتوح على مصرعيه بالنسبة لمصادر ناشطة في القطاع المالي، فإنّ السوق حالياً سيشهدُ على تخبّط جديد، مشيرة إلى أن “توقعات أسعار الدولار أصبحت شبه مستحيلة لسبب أساسي وهو أنّه ما من أحد يستطيع استشراف ما قد يحصلُ بين ليلة وضحاها”،
وأضافت: “حينما يُسأل الاقتصاديون عن سيناريوهات سعر الدولار، فإنّ أوّل كلام سيقال اليوم هو أنه لا سقف للسعر. هذا الكلام حاضرٌ بقوة، لكن المشكلة تكمن في الجهة التي ستدير الأسعار وكيف ستحركه وما هي مصلحتها الحالية.. هل الإنخفاض أم الإرتفاع؟”.
الصرّافون حائرون.. و”خائفون”
على صعيد الصرافين، فإنّ الأمور ما زالت “ضائعة”، وأبسطُ ما يقال في أوساطهم هو إنّ سعر الدولار محكومٌ بكمية العرض والطلب لا أكثر ولا أقل. هنا، فإنّ الكلام الذي يُروّج في تلك الأوساط المالية قد يرتبطُ بهدفٍ واحد لا ثانيَ له وهو الخوف من أن يتم استدراج الصرّافين لمعرفة الجهات التي يتعاملون معها على تسعير الدولار. في هذا الإطار، قد يكونُ الكلام هذا بمثابة ورطة للكثير من الصرافين، إذ أن “العين مفتوحة عليهم”، وبالتالي فإنّ عملية التسعير باتت تستندُ إلى تطبيقاتٍ إلكترونية أكثر من استنادها إلى مجموعات “واتساب” التي يخترقها المخبرون بين الحين والآخر.
وعليه، وأمام هذا الواقع، فإنّ ما يظهر هو أنّ “الطاسة” باتت ضائعة الآن في سوق الدولار، فلا جهة يمكنها حالياً ضبط الوضع كما يجب، كما أنه لا أطراف فاعلة واضحة، والأكثر خطورة هو أن من يطرح عمليات التسعير على التطبيقات بات مجهولاً بشكل أكبر بعدما غابَ “المضاربجية” الكبار عن الساحة التي أصبحت مفتوحة أمام صغارٍ لا يمكن ضبط نشاطهم بشكل سهل، نظراً لعمل بعضهم في إطار “خلايا متفرقة”.
إذاً، الوضعُ في سوق الدولار ليس واضحاً، أما في ما خصّ مصرف لبنان، فإنّ أدوات تدخله حتى الآن ما زالت غير واضحة، فيما التركيز على “صيرفة” سيتراجع حالياً وسط استمرار إضراب المصارف.. والسؤال الذي يُطرح: هل للإضراب علاقة بارتفاع سعر الدولار؟ كيف يؤثر ذلك على مسار السوق؟.. هنا للحديث تتمّة…