كتب علي زين الدين في “الشرق الأوسط”:
اقتصرت التحركات في اليوم الأول من الإضراب العام المفتوح الذي تنفذه البنوك اللبنانية، على لقاء جمع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بوفد من مجلس إدارة جمعية المصارف، حمل إليه سلسلة المواقف والملاحظات بشأن مشكلات قضائية ومهنية، دفعت بالجمعية العمومية إلى اتخاذ قرار باقتصار الأعمال اليومية على إدارة السيولة عبر أجهزة الصرف الآلي، ومن دون حضور الموظفين إلى مكاتبهم.
وبدت الترقبات متباينة بين مصادر مصرفية متعددة تواصلت معها «الشرق الأوسط»، إنما برز توافق على استمرار تنفيذ الإضراب إلى حين تحقيق خطوات جدية، تترجم الوعود التي يتم إبلاغها للمصرفيين من قبل كبار المسؤولين في السلطتين التشريعية والتنفيذية. وهو ما يرجح عدم استئناف الأنشطة المعتادة خلال الأسبوع الحالي، لا سيما بسبب مصادفة يوم غد، الخميس، عطلة رسمية في جميع المؤسسات العامة والخاصة.
وبتفويض شبه جماعي من قبل الجمعية العمومية، يسعى مجلس إدارة الجمعية إلى وضع ضوابط محكمة تتناسب مع حراجة الأوضاع الاستثنائية والشائكة التي يكابد القطاع المالي بمؤسساته كافة في إدارة التعامل مع مقتضياتها وتداعياتها، ضمن الإمكانات المتقلصة لدى مصرف لبنان المركزي والجهاز المصرفي على حد سواء، وضمن مراعاة حقوق الأطراف كافة من مودعين ومستثمرين ومساهمين.
وأكد مسؤول مصرفي لـ«الشرق الأوسط»، أن ميزان العدالة لا يستقيم مع تكرار الطلبات لكشف السرية المصرفية من خارج الآلية الرسمية المعتمدة التي تعود صلاحياتها لهيئة التحقيق الخاصة. كذلك لجهة صدور أحكام مبرمة لصالح أفراد، بما يفضي إلى تخصيصهم بجزء أساسي من السيولة النقدية المتاحة للمجموع يومياً. كذلك لا يمكن تعطيل أدوات سداد -كالشيكات المصرفية التي يجري إصدارها لصالح طالبيها- بينما يُفرض على البنوك أن تقبل بسداد القروض للعميل عينه أو سواه بهذه الوسيلة للدفع.
وبالفعل، طلبت المصارف من الدولة تشريع «قانون معجل مكرر يلغي بشكل كامل وبمفعول رجعي السرية المصرفية، ويسمح للمصارف بمنح المعلومات المصرفية على جميع حسابات زبائنها، وفي طليعتهم القيمون على إدارتها ومساهموها وسواهم، وذلك منذ تاريخ فتحها، إلى من يشاء من السلطات القضائية وغيرها، فتنتهي مهزلة الاتهامات والشكوك التي تساق بحقها وبحق مساهميها».
كما أكدت أن عدم الاعتراف بأن الشيك -وخصوصاً الشيك المصرفي- وسيلة دفع قانونية، والسماح بالتنفيذ على الساحب حتى قبل إثبات عدم تحصيل الشيك، وعدم توفر المؤونة، بصرف النظر عن كونه يخالف القانون، من شأنه أن يجعل التعامل مقتصراً على الدفع النقدي، مما يجبر المصارف على المعاملة بالمثل، وعدم قبول تسديد الديون العائدة لها من قبل المدينين إلا نقداً وبالعملة نفسها، في وقت تلزم فيه المصارف بقبول الشيكات بالليرة اللبنانية تسديداً للديون، حتى المحررة بالعملة الأجنبية، فتطبّق القاعدة نفسها بطريقة مختلفة حسب العارض والمستفيد.
وفي المقابل، تناول وفد الجمعية مطولاً مع ميقاتي مشكلة الإفصاح لجهات «قضائية» معروفة، عن معلومات مصرفية بصورة رجعية لشرائح كاملة من المجتمع لا تقتصر أبداً على إدارة المصارف، وبعدما تم إعلامها شفهياً أنها ستمتدّ إلى شرائح الموظفين، أي إلى كل من تعاطى ويتعاطى بالقطاع العام، وذلك دون أي تبرير أو تحديد، واصطياداً لما يرشح عن هذه المعلومات من مواد يمكن استغلالها.
كذلك، بيّنت المصارف في مطالعتها أن التحولات المتصاعدة في استعمالات النقد الورقي، وبشكل شبه حصري، لمعظم المعاملات المالية والمصرفية، يضع البنوك تحت وطأة المساءلة من قبل جهات رقابية دولية، ويثير الهواجس لدى البنوك المراسلة التي تتعامل معها، لا سيما بعملة الدولار، وما تعنيه بالنسبة لوزارة الخزانة والبنوك في أميركا. وهو الموضوع الأكثر تأثيراً على انسياب المعاملات المالية الخارجية.
وتخشى المصارف من محاذير عدم الاكتراث بالتنبيهات الواردة من مؤسسات رقابية إقليمية ودولية، تحذر من مغبة مواصلة الانغماس في توسيع ميدان المعاملات النقدية، على حساب أدوات الدفع البديلة التقليدية والإلكترونية التي يجري توثيقها وتحديد أطرافها بدقة متناهية عبر الضوابط المصرفية، وبالأخص لجهة التزام قواعد ومحددات «اعرف عميلك»، التي تضمن عدم مرور عمليات مالية مشبوهة.