على الرغم من الشرذمة والإنقسام العمودي الذين يعاني منهما القضاء، خصوصاً بعد ما شهدته العدلية من ” شدّ حبال” كاد أن يطيح بانتظام العمل القضائي برمّته، إستطاع أمس هذا القضاء المنهَك أن يسدّد ضربة جديدة لصالح المودعين عبر قرار قضائي ضد ” فرنسبنك”، وذلك على خلفية دعوى قضائية تبلّغَ قرارها محامو “تحالف متحدون”، وفق بيان صادر عنهم، وهو يُعدّ قراراً تاريخياً لصالح المودعين يمكّنهم من استيفاء ودائعهم عدّاً ونقداً بعملة الإيداع، علماً بأنه القرار المبرَم الأول من نوعه الصادر عن محكمة التمييز في وجه المصارف بهذا الخصوص.
وفي التفاصيل الواردة في متن القرار، فقد صدر بتاريخ ١ شباط الجاري عن محكمة التمييز المدنية، الغرفة الثانية برئاسة القاضية مادي مطران وعضوية المستشارَين حسن سكينة وسميح صفير، قراران قضيا بقبول الطعنَين التمييزيَين المقدّمَين من المحامي رامي علّيق من تحالف متحدون، بوكالته عن المودعَين عياد إبراهيم من جمعية صرخة المودعين وحنان الحاج ضد مصرف فرنسبنك شكلاً وأساساً، ناقضاً القرارين المطعون فيهما الصادرين عن محكمة الإستئناف المدنية برئاسة القاضي حبيب رزق الله، واللذين قضيا بقبول طلب المصرف وقف تنفيذ الشيكين المصرفيين الصادرين عن فرنسبنك نقداً، كما وتصديق القرارين المستأنفين الصادرين عن القاضي المنفرد في بيروت رولا عبدالله بتاريخ ٧ آذار ٢٠٢٢، القاضيين برد طلبي وقف التنفيذ المقدّمين أمامها من فرنسبنك.
القراران قضيا بإعادة المعاملتين التنفيذيتين إلى مرجعهما الأساسي أي دائرة التنفيذ في بيروت، حيث سيصار إلى متابعة التنفيذ على الشيكين المصرفيين الصادرين عن فرنسبنك عداً ونقداً بعملة الإيداع، أي بالدولار، مع الفوائد واللواحق المستحقة عليهما من قيمة الوديعة.
المصرف حاول استدراك الأمر من خلال عملية ” هروب الى الأمام”، معلناً إقفال فروعه كافة، بدءاً من الفرع الرئيسي في الحمرا الى باقي الفروع في العاصمة والمحافظات، حتى أنه أبلغَ موظفيه بقرار الإقفال هذا ليوم واحد فقط، أي اليوم الجمعة، عبر رسائل نصية وصلتهم ليلاً الى هواتفهم من دون تحديد الأسباب الموجبة، فيما سُرّبت معلومات عن أن سبب الإقفال هو لإتاحة الفرصة والوقت أمام المصرف لتعديل أنظمته الداخلية للودائع والقروض تماشياً مع الحكم القضائي الصادر بالأمس تحت ذريعة ” الإستنسابية” في ضوء القرار القانوني المُشار اليه.
المعلومات لا تزال غير مثبّتة حول حالة التنفيذ الجبري بالحجز على أسهم المصرف وعقاراته وموجوداته وفروعه وشركاته في كل لبنان، تمهيداً لطرحها في المزاد العلني بسبب عدم رضوخ المصرف للقرار القضائي وسداد الوديعة المالية، فهل نحن أمام ظاهرة تعامل جديدة بين المودعين والمصارف في دعاوى مماثلة؟ في الواقع وفي ظل الأزمة غير المسبوقة التي يعاني منها لبنان، لا يمكن أخذ ما حدث كنموذجٍ يُحتذى به في العلاقة المتوترة القائمة بين المودعين والمصارف، لكن بقليل من الإقدام والمثابرة من قبل القضاة يمكن المناداة عالياً ” على أونا …على دووِه…على تري”، فمَن هو المصرف التالي؟