كتبت رانيا شخطورة في “أخبار اليوم”:
يستهجن مرجع قضائي واسع الاطلاع أداء القضاء في تعاطيه مع الملفات المالية والمصرفية، بدءاً من مستوى المتابعة و”تشريع الأبواب” للأجانب… وصولًا إلى تسريب التحقيقات إلى بعض وسائل الإعلام بشكل مجتزأ ومشوه للحقائق ومؤذٍ للدولة وللمدعى عليهم وأيضًا الجهات المدعية.
وينطلق المرجع في مقاربته، عبر وكالة “أخبار اليوم” من أمرين أساسيين: “حرية الإعلام تتوقف عند حدود سرية التحقيق”، و”ما من أحد يمكن أن يطلع على ملف “اذا القاضي مش راضي”.
ويشدد المرجع على أن التحقيق يجب ان يبقى سرّيا اولا: تجاه الفرقاء المتخاصمين، من اجل حسن سير العدالة، حيث اذا كان المتهم يعرف ما لدى القاضي فانه سيحضر الدفاع الذي يؤدي الى ضرب الادلة الموجودة، كما ان القاضي يسأل المُستجوب ويراقب ردات فعله ويقارنها بما لديه من ادلة ومعطيات. وثانيا: تجاه العموم، خصوصا وان الاعلام يؤثر في سير التحقيقات، على غرار ما هو حاصل في قضيتي مصرف لبنان وتفجير المرفأ، حيث القضاء بات يسير وفق ما يريده بعض الاعلام او بعض الاطراف.
وبالتالي أي تسريب يهدف لضرب صدقية التحقيق أو لاجراء ضغط على القاضي من جهة سياسية معينة أو لاستعمال التحقيق من أجل أجندات أو مصالح معينة، وهذا جرم بحدّ ذاته، قامت به الجهة التي نشرت أو القاضي الذي سرّب تحقيقات متعلقة بملف موجود أمامه.
وهنا يقول المرجع: لا يجوز خرق سرية التحقيقات كون ذلك يؤدي الى اذية المدعى عليه أو المتهمين أو المدعين، مع العلم أنّ الحكم يصدر في نهاية التحقيقات وليس بناء على جزء منها، ويضيف مستغربا: ما يحصل في لبنان هو اصدار أحكام قبل الوصول الى المحاكمة، وهذا ما يؤدي لضرب صدقية التحقيقـ وتشويه سمعة الشخص المعني، والغاء حقوق المدعى عليه، بمعنى آخر القاضي الذي يسرب تحقيقاته يخون ثقة الشعب به وبهذه المؤسسة الدستورية، لانه في النظام الديموقراطي اللبناني القاضي يحكم باسم الشعب، بمعنى ان سلطته مستمدة من عموم الشعب.
ويذكر في هذا الاطار انه اذا ارتضى شعب ان تحكم عليه المؤسسة القضائية وتصدر عقوبات واحكام تصل الى السجن، يفترض ان التكون الثقة بها كبيرة جدا، وهذا ما ينسحب ايضا على الملفات المالية والمصرفية المطروحة راهنا.
ثم ينتقل المرجع للحديث عن زيارة الوفد القضائي الاوروبي، معتبراً أنّ هذه العملية ادت الى زعزعة ثقة الشعب اللبناني والمؤسسات الخارجية والدول بالنظام المالي اللبناني، سائلا: هل لو ذهب وفد قضائي لبناني للتحقيق في اي ملف في الخارج، هل يستقبل بهذه الهالة والطبل والزمر، قائلا: “هذا الوفد يتألف من قضاة في بلادهم وليس في بلدنا”، منتقدا كيف ان في لبنان هناك محاولة دائما لتكبير الامور حيث البعض يجد في ذلك فرصة للظهور. واضاف: المسؤولية تقع على من استقبل الوفد وخلق لاعضائه هذه القيمة الكبيرة وكأن لديهم اسرار ليست موجودة عند القضاء اللبناني.
ويلفت الى اهمية احترام ما يسمى تبادل المعلومات والتعاون القضائي، بموجب الاتفاقات الدولية التي وقعها لبنان، موضحا انه اذا كان يحق لبلد اوروبي ارسال قضاة الى لبنان لاستجواب شخصيات يشك ان لها علاقة بجرم معين، كان يفترض بهذه الزيارة ان تتم بطريقة سرية، فماذا لو طلب الوفد معلومات عن شخصية ما وتبين انها لم ترتكب اي جرم ولا حتى مخالفة؟ وبالتالي لماذا التشهير وتشويه السمعة والمكانة الاجتماعية والعمل، محذرا من ان مثل هذه الامور ليست مزحة. في حين انه كان يفترض بالقضاء اللبناني قبل الموافقة على الزيارة ان يطلب المعاملة بالمثل فيطلع من القضاة الاجانب عما لديهم من معلومات وعلى هذا الاساس يقيم اهداف الزيارة وامكانية حصولها.
وانطلاقا مما تقدم، يشدد المرجع على ان القاضي ملزم بحماية الحصانة الداخلية وقومية الشعب اللبناني والانتماء الى الوطن، وبالتالي من يحمي المواطن في الشؤون القضائية كونه سلطة؟ سائلا: هل واجبات القاضي ان يطرح الاسئلة التي اعدها القاضي الاجنبي ام من واجباته ان يطلع على التحقيقات التي اجراها هذا القضاة ويتأكد من ان هؤلاء لا يقومون بـ”تركيبة ما للبلد” خاصة وان التحقيق يتعلق بامور مالية في وقت يعاني فيه لبنان من أشد أزمة مالية في تاريخه.
ويتابع المرجع سائلا: ما الذي يؤكد ان التحقيق الاوروبي لن يكون له تأثير سلبي على العلاقة مع البنك الدولي او صندوق النقد الدولي؟ هل سيؤدي في نهاية المطاف الى جعل لبنان تحت حصار مالي؟
وفي الخلاصة يشرح المرجع ما هي السلطة القضائية، موضحا انها ليست قاض يرفع صوته بوجه قاض آخر، وليست انتقام بين القضاة من بعضهم البعض عند التشكيلات ولا محاولات لارضاء الاجانب من اجل الوصول الى مراكز معينة، بل السلطة القضائية هي حماية البلد وحماية حقوق المواطنين وحماية حقوق المدعى عليهم. وهل هي القدرة على توقيف ضباط او وزير او نائب او اي مسؤول ؟؟
ويختم: هل السلطة القضائية في لبنان تمارس وفق هذا المفهوم؟