في قلب السوديكو النابض بالحياة في بيروت، تختبئ زاوية هادئة تنقلك، ما إن تدخلها، من صخب المدينة إلى عمق الجنوب اللبناني، وتحديدًا إلى بلدة حاصبيا العريقة. هناك، حيث الجذور تمتد عميقًا في الأرض والتقاليد تُروى بزيت الزيتون، وُلدت فكرة مطعم “حاصبيا”، الذي لا يُقدّم الطعام فحسب، بل يُقدّم الذاكرة والنكهة والهوية.
“حاصبيا” ليس مجرد مطعم، بل تجربة حسية وروحية. فالمكان مصمَّم بذوق رفيع يحمل بصمة الجنوب: من جدرانه الحجرية التي تروي قصص الزمن، إلى أشجار الزيتون التي تزيّن مدخله كأنها تسافر بك إلى باحات البيوت القديمة. في الزوايا، صور وأدوات تراثية تذكّرك بالمونة، بالأعراس القروية، وبأيام العزّ في ربوع الجنوب.
استقبلتنا جنا حليمة، صاحبة المطعم، بابتسامةٍ دافئة تعكس صدق الانتماء. حدثتنا عن “زيتون حاصبيا”، للمكان روحًا، وأن بإمكان الإنسان أن يحمل معه بلدته في القلب والروح والطعم، لينقلها إلى كل مكان. ومن هذه القناعة، وُلدت فكرة هذا المطعم، ليكون امتدادًا لحاصبيا في العاصمة.
وفي “حاصبيا”، لا تكتمل التجربة من دون تذوّق أطباقه الشهية: من اللبنة مع المكدوس، إلى ورق العنب المحشو بكرم الضيافة. الطعم هنا لا يُقاس بالمقادير، بل بالمحبة، تمامًا كما كانت تطبخ الجدّات في الأعياد والمناسبات.
“نحن لا نقدّم أطباقًا فقط، بل نقدّم حكايات”، تقول جنا، وتضيف: “كل وصفة تحمل اسمًا، وكل نكهة تختزن ذاكرة، وكل زائر يصبح فردًا من العائلة”.
من حاصبيا إلى السوديكو، انتقلت اللقمة، والكرم، والهوية، لتقول إن الجنوب ليس مكانًا على الخارطة فحسب، بل إحساس يُمكن أن يُعاش في كل زاوية من هذا الوطن.