لم يبق لرئيس “التيار الوطني الحرّ” السيد جبران باسيل أحد في البلاد ليخاصمه سوى جبران باسيل نفسه. ويقول الذين يعرفون الكثير عن شخصيته المركّبة والقائمة على “نرجسية” عالية الذبذبات إنه سيصل إلى هذه المرحلة بالذات في وقت لم يعد بعيدًا. وبذلك يكون “ملك النرجسية”، على طريقة “ملك الطاووق”، أول سياسي يطبّق المثل اللبناني بحذافيره: “إذا ما لاقى حدن يتخانق معو بيوقف قبال المراية وبيتخانق مع حالو”.
لم يترك جبران له صاحبًا، ولكن ليس تيمّنًا بقول الإمام علي بن أبي طالب بأن الحقّ لم يترك له صاحبًا، وهذا ما استعاره الرئيس السابق ميشال عون في آخر حديث تلفزيوني له مع الزميلة ندى اندراوس عزيز، ولكن بسبب “عنترياته” وتصديق نفسه بأنه المنزّه الوحيد، فيما الآخرون فاسدون.
ولهذه الأسباب ولغيرها أيضًا بدأ “حزب الله” يتأفف منه. ولولا العيب والحياء لكان فكّ تحالفه معه، لكن “مجبرًا أخوك لا بطل”. وقد يفتح اللقاء المنتظر في “حارة حريك” المجال واسعًا لكلام صريح وواضح سيقوله، على الأرجح، الأمين العام لـ”الحزب” السيد حسن نصرالله للسيد باسيل. وما سيقوله سماحة السيد، وفق بعض التحليلات، سيكون هذه المرّة مغايرًا عن المرّات السابقة، يوم كان لا يزال “حزب الله” في حاجة إلى غطاء شرعي، إضافة إلى الغطاء المسيحي. أمّا اليوم فلا غطاء شرعيًا له بعد انتهاء عهد عون، وتراجع شعبية “التيار الوطني الحر” واضطرار حزب الله الى رفده باصوات لنيل العدد النيابي الذي حصل عليه.
قد يضطرّ سماحة السيد لأن ينزع عنه قفازيه ويتكّلم من دون ديبلوماسية، لأن الوضع لم يعد يحتمل “الدلع”. فإمّا أن يكون الحليف حليفًا في كل شيء أو لا يكون، وبالتالي فإن من ليس معنا فهو حتمًا ضدنا. إنه كلام جديد، وقد يكون لدى من يتوقعه بعضٌ من مبالغة، ولكنه في النهاية واقعي ويعبّر حقيقة عن طبيعة العلاقة الحالية بين جبران و”الحزب”.
فمرشح الحزب مقابل مرشح الطرف الآخر هو سليمان فرنجية. ونقطة على السطر. وإذا لم يستطع “محور الممانعة” تأمين 65 صوتًا له مع نصاب الثلثين، قد يذهب إلى خيار آخر، وقد يكون هذا الخيار قائد الجيش العماد جوزاف عون، الذي تبيّن أن الطرف الآخر لا يرفضه في المطلق لكنه اشترط توافقًا وطنيًا عليه للسير به بدلًا من مرشحه النائب ميشال معوض تحت مسمّى “أن المصلحة الوطنية تقتضي ذلك”، وهذا ما يقوله أكثر من نائب “قواتي”.
لكن خصومة جبران باسيل السياسية مع كل من سليمان فرنجية وجوزاف عون، ورفضه أن يكونا خيارين رئاسيين، مبنية على أسباب ومعطيات شخصية. فرئيس تيار “المردة” في حال أصبح رئيسا للجمهورية يشكل خطرًا على مستقبله السياسي والحزبي خوفًا من تمدّد “المردة” خارج الشمال، وأن ينمو حزب فرنجية بعد وصوله الى القصر الجمهوري، وأن يعمل على نسف ما زرعه باسيل في الإدارات والمفاصل الأساسية والعمل على إلغاء الوجود الحديث العهد لـ”العونيين” في هذه الإدارات. والأمر نفسه ينسحب على العماد عون الذي يُطرح اسمه كمرشح تسوية عند اشتداد الأزمة، كما أن أمورًا كثيرة تصب في خانة رفع أسهمه استنادًا الى أداء قيادة اليرزة في التعامل مع الأزمة اللبنانية وقدرته على تعزيز مناعة الجيش الصحية والإنسانية والأمنية في مرحلة الانهيار، مما جعل قائد الجيش منافسًا قويًا في استحقاق 2022. ومن الإشكاليات التي يتخوف منها “التيار” أن الجنرال عون بالنسبة الى “العونيين” هو ابن المؤسسة العسكرية التي أتى منها الرئيس ميشال عون، ومعلوم مدى الروابط العاطفية بين قاعدة “التيار الوطني الحر” والجيش، مما سيؤدي حتمًا الى خلق حالة جديدة مؤيدة لـ”جنرال اليرزة” تشكّل خطرًا على شعبية “التيار” في المستقبل، كما أن وصول قائد الجيش الى بعبدا يعني تكرار الحالة الشعبية نفسها التي جرت مع العماد ميشال عون.
وما يعزّز فرضية الخيار الثاني، أو ما يُتعارف على تسميته بـ Plan B لدى “حزب الله” الزيارة التي قام بها مؤخرًا مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب الحاج وفيق صفا للعماد عون، الذي أوصل إليه رسالة أزالت أي التباسات التي قد تكون قد ترتبت على أثر الخطاب الأخير للسيد نصرالله في ذكرى “يوم الشهيد”، لا سيما في الشق المتعلق بالجيش.
ويبقى على باسيل بعد لقاء “حارة حريك” أن يختار، خصوصًا أن لا أحد بعد الآن يملك ترف الوقت.