مِن المُتوقع أن تصدر الموازنة بشكلٍ رسمي يوم الثلاثاء المُقبل بعددٍ “إستثنائي” من الجريدة الرسمية، بعدما تمنّع الرئيس ميشال عون عن توقيعها قبل مغادرته قصر بعبدا. فما هي التداعيات المُباشرة المحتملة على المواطنين أولاً، وعلى القطاعات الإنتاجية ثانياً، وتأثيرها المُباشر في الدورة الإقتصادية؟
يُوضح المحلّل الإقتصادي عماد الشدياق في حديثٍ إلى “ليبانون ديبايت”، أنّ “مفاعيل هذه الموازنة لن تكون مباشرة بعد صدورها، إنما سنتلمّس هذه التداعيات في الشهر المُقبل مع رفع رواتب مُوظفي القطاع العام 3 أضعاف، فهذا الرقم سيزيد الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية، ممّا يؤثر تلقائياً على ارتفاع سعر الصرف، وقد يصل الى حدود مرتفعة وربما إلى 45 ألف ليرة”.
ويُحذِّر من أنّ الفراغ الرئاسي ووجود حكومة “مُكبّلة”، من شأنه أن يبثَّ أجواءً سلبيّة في السوق تؤّثر على سعر الصرف، إضافة إلى موضوع الموازنة، ويُشدّد على أنّه لا يمكن أن يتراجع سعر الصرف إلّا من خلال تدخل مباشر من مصرف لبنان عبر بيع الدولار، لكنه علاج صعب وآني لارتفاع سعر الصرف، ولن تستمرّ مفاعيله لأكثر من أسبوعين ليعود ويرتفع تدريجياً بسبب قدرة مصرف لبنان المحدود على التدخل في سوق بائعاً للدولارات”.
ويلفت الشدياق، إلى أن “الشائعات التي تصدر بين الحين والآخر عن وجود تعاميم ستصدر ليهبط معها سعر الصرف ويكون وراءها مضاربون وصرافون يهدفون لجمع الدولار من السوق على حساب الناس ولحسابهم”.
إرتفاع متوقّع لأسعار السلع بين 15 و25 %
وبالعودة إلى تأثير الموازنة على الأسواق، يشير الشدياق إلى أنّه “مع دخول الموازنة حيّز التنفيذ، سترتفع الأسعار ما بين 15 و25 % لا سيّما في ظلّ الفوضى، حيث لن ينتظر التجار شراء بضائع جديدة لرفع الأسعار، وإنما يرفعونها أوتوماتيكياً وقبل استيراد بضائع جديدة”.
كما تطرّق إلى الرسوم الأخرى التي “ستضاف مع إقرار الموازنة في حال اعتماد الدولار الرسمي على سعر 15 ألف ليرة، والذي ينتظر قرار وزير المالية، مع العلم أنّه ليس بحاجة إلى قرار لكن الجميع يتهرّب من تداعيات هذا القرار، ويقذفه إلى مستوى أعلى مثل الحكومة التي يمكن أنْ تتحمَّل تبعاته أمام الرأي العام في حال اشتعلت الإحتجاجات”.
تأثير الرواتب
أمّا بالنسبة الى التأثير المباشر لطبع الليرة على ارتفاع الأسعار، فيلفت إلى أنّ “رفع الرواتب سيزيد من حجم الإستهلاك ممّا يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع، وبالتالي، زيادة على الدولار لزوم الإستيراد، وهو ما سيرفع سعر الصرف وأسعار السلع على السواء، أي أنها ستكون دورة متكاملة تصبّ في النهاية بإرتفاع سعر الصرف والأسعار”.
إذاً، ما هو الحل المطلوب؟ يرى الشدياق أنّ “وصفة الحلّ بسيطة لكنه يحتاج إلى إرادة مجتمعة. أي أن تتساعد كافة السلطات التشريعية والتنفيذية والمالية لتوحيد سعر الصرف وحصر الدولار بمنصّة صيرفة، ممّا يشكل مدخلاً الى إستقرار هذا السعر”.
لا نقص بالدولار
ويقدّر الشدياق، أنّ “لا نقص في الدولار داخل لبنان مثلما يقول الجميع، بل هناك فائض كبير بالدولار لكنه موجود عند القطاع الخاص أي الشعب والتجار، والأمثلة واضحة لجهة حجم التحويلات إلى الداخل التي تبلغ ما بين 6 و7 مليار دولار”. وللإستدلال على ذلك يعطي الشدياق مثالاً فيقول، إن صندوق النقد يقدّر حجم الإقتصاد اللبناني بـ21 مليار دولار، في حين أنّ الكتلة النقدية بالليرة توازي 70 تريليون ليرة، أي ما يعادل 1,7 مليار دولار… فأين الفرق؟ من المؤكد أنّ بقية الرقم ضمن الدورة الإقتصادية في القطاع الخاص، و الـ80% المتبقية هي بالدولار الكاش طالما أنّ المصارف معطّلة”.
إنكفاء عن النشاط الإقتصادي
ويتوّقع الشدياق، أن “تؤثر الرسوم الجديدة على الدورة الإقتصادية عموماً، لأن المواطنين قد ينكفئون تلقائياً عن النشاطات التي تخصّ الدولة، مثل تسجيل العقارات والسيارات، أو الإمتناع عن دفع رسوم للدولة لعدم قدرتهم على ذلك، ومن هنا، سينخفض مستوى النفقات المقدّرة في الموازنة، وهذا ربّما يضغط على السلطة أكثر من أجل طبع المزيد من الليرة للإيفاء بالإلتزامات تجاه الموظفين والمواطنين”، ولكل هذا فالمتوقع أن يدخل لبنان في “نفق الطباعة المتزايدة” للعملة وبالتالي، الدخول إلى مستويات أكثر ارتفاعاً في التضخم المفرط.
الحلّ بالإصلاحات
وفي ختام حديثه، يرى الصحافي عماد الشدياق، أنّ “الحلّ النهائي يكمن في الخضوع للإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي، لأن التأخير في تطبيقها، سيعمّق حجم الهوّة إلى حدود قد يصعّب علينا الخروج منها”. ولا يُوافق الشدياق في النهاية على أنّ “المشكلة في السياسة، بل أنّ المشكلة اليوم باتت في الإقتصاد بخلاف ما يظن البعض أو يحاول أن يوحي”.