يبدو أن المطالب التي يرفعها رئيس “التيار الوطني الحُرّ” جبران باسيل لتشكيل الحكومة باتت أصعب من أن تُحقّق في ظلّ تكليف الرئيس نجيب ميقاتي الذي بدوره، رغم الليونة التي يُبديها، لن يرضخ لكافة شروط باسيل المتمسّك بسلّة مطالب في طليعتها ملفّ التعيينات. وبالتالي فإنّ المراوحة الحكومية ستكون سيّدة الموقف في الأيام القليلة المتبقية من عهد الرئيس ميشال عون إذا لم يطرأ أي جديد يُحدث معجزة في مسار التأليف.
فهل يدفع التسخين السياسي الحاصل بين الطرفين باتجاه الفوضى والفراغ ام ان “التهديدات” التي سرّبت على لسان رئيس “التيار” ما هي سوى اخر ورقة لباسيل يظنّها رابحة بهدف تحسين شروطه والوصول الى حصّة وازنة في مجلس الوزراء؟
خلال إطلالاته الاخيرة، ألمح باسيل الى ما وصفه “بالفوضى السياسية”، تلك العبارة طرحت العديد من التساؤلات حول المعنى الذي يبدو أنه لا يزال في قلب الشاعر. ولكن في حال تمكّن ميقاتي من تشكيل حكومة جديدة وقدّم باسيل تنازلات في اللحظة الاخيرة مقابل حصّة وزارية وازنة فيها يصبح تصعيد باسيل مفهوم الأبعاد لجهة محاولة تحسين واقعه الوزاري وتعزيزه بشكل او بآخر مقابل عدم حصوله على كل مطالبه التعجيزية التي طرحها على الطاولة في الأيام الاخيرة. وأما في حال عدم تشكيل الحكومة يكون تلويحه بالفوضى أمراً واقعياً لا يندرج في قائمة “صف الحكي” الذي دأب عليه طوال سنوات “العهد” وما قبل قبل “العهد” أيضاً!
وإذ فسّرت مصادر متابعة للملف الحكومي بأن الفوضى التي ألمح إليها باسيل في أكثر من مناسبة تخرج من عدّة أبواب، أولها توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون على استقالة الحكومة، فذلك يعني وفق بعض الدستوريين أنها لن تعود قادرة حتى على تصريف الاعمال. وبغضّ النظر عن توافق القانونيين والدستوريين على هذا الرأي، الا أن أصل وجود خلاف على عمل الحكومة سيكون بمثابة إدخال الفوضى الدستورية على الحياة السياسية والتي يتجرّأ باسيل على افتعالها لعرقلة عمل الحكومة وإغراق البلاد بمزيد من الانهيارات .
الخطوة الثانية التي قد يُقدم عليها النائب جبران باسيل ستتمثل بدفع “التيار الوطني الحر” نحو تحرّكات شعبية يُخطّط لها في الشارع اللبناني، الامر الذي قد ينفلت ويصبح من الصعب على باسيل التحكّم به خصوصاً في ظلّ الظروف المعيشية الراهنة ووجود “طوابير بالجُملة” ستستفيد من التفلّت الحاصل وتساهم بتصعيده في حين أن القوى الامنية لن تكون قادرة على ضبط الوضع بنفس السهولة التي كانت عليها سابقاً.
واخيرا، قد يسعى باسيل الى سحب وزرائه من الحكومة وشلّها بالكامل، ما سيؤدي الى إعاقة إدارة البلاد وتسيير شؤون المواطنين والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي والمُضيّ قدُماً بخطة التعافي وغيرها من الملفات التي تُمسك الحكومة الحالية بزمامها لفرملة الانهيار بالحدّ الادنى وضمن هامش المقدرة. وكل ذلك سيؤدي حتماً الى نوع من الفوضى الكاملة التي لا يمكن احتواؤها، وهذا ما يهدد به باسيل منذ مدّة معتمداً على عبارة “اليوم الطبيعي” التي لم يمرّرها عون لزوم الخطاب ومنطلقاً من منطق “عليّي وعلى أعدائي” في كل السيناريوهات الخطيرة التي قد يسير بها.