كتب نادر حجاز في موقع mtv:
لبنان على موعد مع قبس نور جديد، يطلّ وسط كل السواد والعتمة التي يعانيها شعبه هذه الأيام. فأرض القداسة الخصبة تنبت باستمرار ثمار الخير، وفيها تختمر قصة التجذر بالارض والانتماء الى الوطن كما الى الله، في “جبلة” سحرية أنجبت قديسين وأولياء صالحين ارتقوا روحانياً في مسالك العرفان والايمان، فكانوا الحرّاس الأمينين على لبنان مهما تعذّب.
الموعد المنتظر سيكون الجمعة ٢٨ تشرين الأول الجاري، في روما، النهار الذي سيشكل بداية دعوى تطويب وتقديس الكاردينال غريغوريوس بطرس الخامس عشر أغاجيانيان (١٨٩٥-١٩٧١)، والذي كان كاثوليكوس وبطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك.
اختير يوم ٢٨ للجلسة الافتتاحية للتحقيق الأبرشي في حياة فضائل وقداسة ومعجزات أغاجانيان لأنه النهار الذي تحتفل فيه الكنائس الأرمنية بعيد القديس يهوذا تداوس الرسول باعتباره “أوّل كاثوليكوس”. وسيقام الاحتفال الذي يمثل بداية دعوى تطويب وتقديس الكاردينال أغاجانيان ظهرًا في بازيليك القديس يوحنا في اللاتيران في روما، بحضور غبطة البطريرك روفائيل بدروس الحادي والعشرين ميناسيان كاثوليكوس بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك والكاردينال أنجلو دي دوناتيس نائب البابا العام على أبرشية روما، الذي يمثل الأبرشية التي مات ودفن فيها الكاردينال أغاجانيان في كنيسة “San Nicola da Tolentino”.
المطران جورج اسادوريان المعاون البطريركي ومطران بيروت لكنيسة الأرمن الكاثوليك تحدث لموقع mtv عن حياة الكاردينال ومسيرته الانسانية والكنسية التي ستكون في صلب دعوى تطويبه، قائلا: “يوم الجمعة ٢٨ تشرين الأول ٢٠٢٢ سيكون يوماً تاريخياً بالنسبة للكنيسة الأرمنية الكاثوليكية وأيضاً للبنان، لأنه في هذا اليوم الفاتيكان سيعلن افتتاح دعوى تطويب الكاردينال أغاجيانيان، الذي كان يلقّب بالبابا الأحمر كونه كان رئيس مجمع انتشار الايمان، والذي كان في فترة الخمسينات من أكبر المجامع في الفاتيكان. فكان الكاردينال شخصية مهمة جداً ومقدّر جداً لدى الكنيسة الكاثوليكية كما كل الشعب اللبناني”.
دوره لم يكن يقتصر على الكنيسة فقط، فيقول اسادوريان: “كان له الفضل الكبير بتعيين أول سفير لبناني في الفاتيكان بشخص الرئيس شارل حلو، الذي شغل هذا المنصب قبل توليه رئاسة الجمهورية، وقد زكّاه الكاردينال شخصياً لتولي هذه المهمة”. وأكثر من ذلك، فكان الكاردينال راعي صلح دائم بين الزعماء اللبنانيين كلما اختلفوا، وقد جمعهم باستمرار في دير الارمن الكاثوليك في جونيه بعيداً عن الأضواء لمصالحتهم واصلاح ذات البين بينهم.
الكاردينال كان رجلاً معمارياً، يضيف اسادوريان، بنى داخل طائفته خصوصاً في برج حمود وكنيسة مار الياس في ساحة الدباس التي بنيت بسخاء بفضله في العام ١٩٥٠، والمتميزة بجمالها وعمارتها المستوحاة من التراث الأرمني، وقد حملت اسمه لاحقاً. كما بنى كنيسة ومدرسة في عنجر.
وأما البعد الانساني الكبير لديه فتجلى بالدور الذي لعبه في انشاء دار أيتام في عنجر للأولاد المشردين ولمن فقدوا أهلهم.
ويضيف “رفع اسم لبنان في كل المنابر كما في الفاتيكان، وكان أحد المدراء الاربعة للمجمع الفاتيكاني الثاني، الى جانب البابا في العام ١٩٦٢، وكان الأول من بينهم وهو الذي أدار جلسة الافتتاح والجلسات الاولى له. كما له دور كبير في الكنيسة الكاثوليكية لأنه استطاع ان يزور دولاً كثيرة كالفليبين والصين وسيريلانكا واستراليا وأوروبا واميركا اللاتينية والشمالية وأسس ارساليات للكنيسة الكاثوليكية وللكنيسة الارمنية الكاثوليكية، وكان مقبولا من قبل الكنائس كلّها”.
وفي محطة مهمة جداً، على اثر انتخاب البابا يوحنا السادس والعشرين في العام ١٩٥٨، كان هو المرشح الاول، لكنه رفض هذا الأمر.
عمل الكاردينال القادم من جورجيا، والمعاناة التي كانت تعيشها الكنيسة هناك من النظام الشيوعي، كثيراً من أجل عودة الديمقراطية الى تلك الدول، ولعب دورا كبيرا في جورجيا وأرمينيا، لكن لبنان كان الأحب الى قلبه لانه كان البطريرك في لبنان منذ العام ١٩٣٨ وكان يعلّم اللاهوت والفلسفة في مطلع شبابه وعُين مطرانا في سن مبكرة جداً في عمر الـ ٣٢، ووضع كل جهده في سبيل خدمة الدولة اللبنانية والشعب اللبناني لأنه كان يحبه كثيراً وعمل من أجله ومن أجل راحة شعبه.
الكاردينال المولود في مدينة أخالتسخا أوكهالتسيك الجورجية، أحب جورجيا كما لبنان الذي حمل جنسيته أيضاً، ورافقه الى كل العالم وطلب دائماً من الدول الوقوف الى جانبه كي يبقى سويسرا الشرق.
يختم اسادوريان: “نحن فخورون بهذا الكاردينال وأنه كان لبنانياً ويحمل الجنسية اللبنانية، وأنه ترك بصمة في حياته من أجل لبنان كما سوريا فكان الفضل الكبير له باعادة منطقة كسب وجبال اللاذقية الى الدولة السورية من تركيا بعدما تدخل شخصيا لدى الحكومة الفرنسية”.
أيام قليلة تفصل لبنان عن هذه المناسبة الروحية والوطنية المهمة جداً، والتي قد تهديه في المستقبل قديساً جديداً.