بعد جولة طويلة من مفاوضات غير مباشرة بوساطة أميركية انطلقت عام 2020 واستمرت لعامين حول ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل في منطقة غنية بالنفط والغاز بالبحر المتوسط تبلغ مساحتها 860 كلم مربعا، أعلن لبنان الموافقة الرسمية على اعتماد الصيغة النهائية التي أعدها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين لحل الخلاف البحري، بانتظار توقيع النصوص اللازمة وفقاً للآلية المعتمدة في الاتفاق.
علما ان هذا الاتفاق سيدخل حيز التنفيذ عندما ترسل الولايات المتحدة “إشعارا يتضمن تأكيدا على موافقة كل من الطرفين على الأحكام المنصوص عليها في الاتفاق، ويجدر بكل طرف أن يقدم رسالة تتضمن قائمة بالإحداثيات الجغرافية المتعلقة بترسيم الخط البحري الى الأمم المتحدة، لتحل مكان تلك التي أرسلتها الدولتان في العام 2011”.
بعد ذلك تبدأ صفحة من المفاوضات مع الشركات، ووضع الترتيبات لإنهاء الجوانب المتعلقة بالتوقيع وإبلاغ الأمم المتحدة بالموافقة اللبنانية.
فكيف سيؤثر “انجاز” الترسيم اقتصاديا على لبنان وكيف سيعود على الدولة بأرباح وهل فعلا دخل لبنان نادي الدول النفطية؟
الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور بلال علامة اعتبر ان “أهم ما حصل في موضوع ترسيم الحدود وما سينتج عنه ان هذه العملية قد تعود بفائدة اقتصادية على مجمل الوضع اللبناني ولكن الأمر يتوقف أيضا على كيفية إدارة هذه الثروة النفطية ومن سيستلم عملية التنقيب واستخراج الغاز وبيعه وعقد الاتفاقات مع الشركات”.
وحذر في حديث لـ “لبنان 24” من انه “إذا لم تُدار هذه العملية بطريقة صحيحة وبـ “حوكمة رشيدة” فإن عائدات هذه الثروة ومنافعها ستذهب أدراج الرياح كما حصل في كل الإيرادات التي حصّلها لبنان في السنوات الماضية”، “لا بل هذه المرة ستكون أخطر على الكيان اللبناني الذي عوّل كثيرا على هذه الثروة وربطها بعملية إنقاذ مالي واقتصادي”، كما قال.
وأضاف علامة: “إذا تمت إدارة العائدات بشكل صحيح من خلال إنشاء ما يُسمى بـ “الصندوق السيادي” لحفظ الثروة النفطية وطريقة التصرف بأموال الصندوق لاحقا على ان تُستخدم لفتح استثمارات جديدة أو لتنفيذ عملية تنمية وتوسعة للاقتصاد اللبناني،من الممكن ان تكون العائدات كبيرة أولاً لناحية إيجاد فرص عمل لآلاف اللبنانيين، وثانيا خلق دورة اقتصادية جديدة غير موجودة في الاقتصاد اللبناني من خلال عملية استخراج النفط وبيعه والشركات التي تتعاطى بهذا المجال إضافة إلى مداخيل وايرادات إضافية يمكن ان تدخل الاقتصاد اللبناني وتساهم في نموه”.
ولفت إلى انه “لدى إقرار قانون النفط في لبنان تم وضع شرط أساسي على الشركات التي ستقوم بعملية التنقيب والاستخراج هو ان يتم توظيف اليد العاملة اللبنانية بنسب معينة تصل إلى حدود الـ 80 % في حال وجدت، أما في حال عدم وجودها وهنا الخطورة سيتم الاستعانة بيد عاملة من الخارج”.
وشدد على ان “عملية الاستكشاف والتنقيب ستأتي بفائدة من ناحية فرص العمل والنمو الاقتصادي ورفع الدخل الفردي للمواطن اللبناني كمرحلة أولى، إضافة إلى ذلك الاستخراج سيُساعد بعض الشركات على توسعة الدورة الاقتصادية ولاسيما التجارية من خلال استقدام وتبادل المعدات والآليات والتجهيزات التي يتم استخدامها في هذه العملية. كما هناك شركات تتعاطى الميكانيك والأعمال البحرية وعمليات النقل ستستفيد أيضا من هذه الدورة الاقتصادية ويكون الاستخراج أعطى فائدة اقتصادية مرحلية وموقتة ريثما تتم جباية العائدات من عملية استثمار وبيع الغاز التي يجب ان توضع في صندوق سيادي يكون التعاطي فيه محكوما بآليات وضوابط عالية”.
واقترح علامة ان “يتم تلزيم هذا الموضوع لشركة محترفة في عملية الاستثمار بحيث تضع الخطط لاستثمار الأموال الناتجة عن النفط والغاز، ويبقى ان تكون إدارة الصندوق السيادي بيد أشخاص لبنانيين غير فاسدين ولا يرتبطون بالمنظومة السياسية”، بحسب تعبيره.
واعتبر علامة ان “الاستفادة المباشرة من عملية التنقيب والاستخراج كمرحلة أولى ستكون خلال سنتين او 3 سنوات بحيث ان الشركات والآليات والمعدات والدورة التجارية تكبر وهناك فرص عمل سيتم ايجادها مع الشركات التي ستنقب عن النفط والغاز، أما المرحلة الثانية فهي مرحلة الإيرادات والصندوق السيادي”.
واعتبر ان “هذه المراحل ستكون على المدى المتوسط والبعيد، وشدد على ان المدى المتوسط معدله ما بين 3 إلى 4 سنوات إذا ما سارت الأمور بوتيرة سريعة”.
وفي الختام لابد من التذكير انه في مسح زلزالي أجرته شركة “سبكتروم” البريطانية لمنطقة بحرية محدودة في العام 2012، تم تقدير احتياطات الغاز القابلة للاستخراج في لبنان بـ 25,4 تريليون قدم مكعب.
ووفق المبادرة اللبنانية للنفط والغاز غير الحكومية، فإن “السيناريو المتوقع في أفضل الحالات” هو اكتشاف كمية من 16 تريليون قدم مكعب.
وثمة توقعات بأن تصل أرباح لبنان من خلال التنقيب عن الغاز إلى 6 مليارات دولار موزعة على 15 عاماً”.