كتب خضر حسان في “المدن”:
احتفلت الأطراف السياسية بتوقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، ووصفت الاتفاق بالانتصار. واستُعيدَ إثر ذلك، الحديث عن دخول لبنان نادي الدول النفطية في حين أن نقطة نفط واحدة أو تسريبة غازٍ لم تظهر إلى السطح بعد. الأسوأ من التهليل بانتصار مشبوه، هو استعجال الإيحاء بانتشال لبنان من أزمته الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية بفضل الغاز الآتي قريباً بعد حثّ شركة توتال على تسريع عملها وصولاً إلى التنقيب والاستخراج. إلاّ أن المعطيات على الأرض، تتعارض تماماً مع ما يُرَوَّج له؟ فغياب الثقة، وبشهادة دولية ومحلية، تعني بأن تغيير الأحوال غير مضمون.
المُلكية الشعبية
ترافقَ الحديث عن وجود ثروة من النفط والغاز في البحر اللبناني، مع اقتراح إنشاء صندوق سيادي لحفظ عائدات الثروة وضمان إنفاقها في مشاريع تنموية تُنشِّط الاقتصاد وتُحسِّن المستوى المعيشي للمواطنين. واستُحضِرَت التجربة النروجية في هذا المجال. لكن لبنان ليس النروج، وبالتالي، تجد بعض الآراء بأن الصندوق السيادي سيتحوَّل وسيلة لهدر الأموال. والبديل هو الملكية الشعبية المباشِرة، وهوة ما يقترحه المعهد اللبناني لدراسات السوق، الذي يبيّن في تقرير له، “مخاطر الصندوق السيادي”.
ويستند المعهد في رفضه للصندوق السيادي في النموذج اللبناني، إلى تجربة احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية. فالمركزي “أعطى دولارات الاحتياطي للحكومة بطريقة ملتوية”. وإذا كان الاحتياطي صرف بالطرق الملتوية، فإن “أموال الصندوق السيادي ستُصرَف تحت شعار التنمية الذي يعني تمويل مشاريع الكهرباء والمياه وغيرها، ممّا يُسَهِّل تضييع الأموال”، وفق ما يؤكّده مدير المعهد، والخبير الاقتصادي باتريك مارديني.
علماً أن اتجاه الحكومة اللبنانية في حال اعتماد الصندوق السيادي، إلى صرف الاموال في مشاريع ترتدي غطاء التنمية، وهو غطاء مقبول ظاهرياً في ظل الأزمة الحالية، يتناقض مع ما تقوم به الدول الأخرى التي تلجأ، بحسب تقرير المعهد، إلى “إبقاء العائد المالي في الصندوق عندما تكون أسعار النفط والغاز مرتفعة وتنفق منه حينما تنخفض الأسعار العالمية، وهو ما يؤمن عنصر الاستمرارية للنفقات العامة. بينما تفضل دول أخرى استثمار أموال الصندوق خارج حدودها ما يسمح بتنويع المخاطر وتلافي تضارب المصالح وإغراءات الفساد. وتشتري هذه الصناديق سندات آمنة وأسهم شركات عالمية، كما يفعل صندوق النروج السيادي الذي يمتلك حصة 1.4 بالمئة من جميع الشركات المدرجة في العالم”.
وبالعودة إلى الملكية الشعبية، يستند مارديني في حديث لـ”المدن”، إلى تجربة ولاية تكساس في الولايات المتحدة الأميركية حيث أن مَن يملك الثروة تحت الأرض هو صاحب قطعة الأرض وليس الدولة. والمالِك يحق له بيع الثروة للدولة أو للشركات الخاصة، وفي حال امتداد البئر إلى أرض مجاورة، على المستثمِر إعطاء صاحب الملك نسبته من الأرباح”.
لكن إقرار حق الملكية المباشِرة للثروة وآلية إدارته والانتفاع منها للأفراد والدولة، في لبنان، “يحتاج إلى تطوير القوانين”. ويلفت مارديني النظر إلى أن تطبيق هذا النموذج ليس سهلاً “ويحتاج إلى وقت”. وأيضاً، يدرك مارديني الصعوبات المرتبطة بهذا الحل “لأن المواطن في البر يمتلك مساحات جغرافية واضحة ومسجّلة، على عكس المساحة في البحر الذي تملكه الدولة. ونحن نملك الوقت وأمامنا نحو 8 سنوات لنستخرج النفط والغاز، ويمكننا التفكير في كل ما هو مطروح خلال هذا الوقت”. ويكشف أن المعهد “يعمل على نماذج علمية وقانونية مستوحاة من تجربة تكساس”.
عدم الثقة
تنطلق الاقتراحات من واقع غياب الثقة المحلية والدولية بالطبقة السياسية اللبنانية. فيقول مارديني أن “البحث عن حلول ينطلق من غياب الثقة بالحكومة والسياسيين. ولو كانت حكومتنا مثل الحكومة النروجية التي تمثّل مصالح شعبها، لكان الصندوق السيادي أمراً عادياً. لكن الحكومة في لبنان لا تمثّل مصالح اللبنانيين، وبالتالي فإن البحث عن حلول يجب أن يكون من خارج الصندوق، فكل الحلول التي ترتكز على إدارة الدولة، تفشل دائماً”.
دولياً، لم يبرد بعد كلام المديرة العامة للصندوق كريستالينا جورجييفا، التي دعت السياسيين، يوم الخميس الماضي، إلى “العمل لإرساء الاستقرار في البلاد، ووضع بلادهم وشعبهم في المقام الأول”. والاستقرار ومصالح الشعب، تتحقّق تدريجياً عبر البدء بالاصلاحات المفقودة حتى اللحظة، ما دفع جورجييفا للتأكيد على أن الصندوق “بحاجة إلى التزام واضح على المستوى السياسي باستقرار لبنان، فلا يسعنا أن نفعل شيئاً ما لم تُجرَ الإصلاحات”.
المقلق حيال غياب الثقة، هو عدم تقديم المجتمع الدولي تطمينات حول ضغطه على الطبقة السياسية لإجراء الإصلاحات المطلوبة. وهذا يوحي بأن ذلك المجتمع لا يكترث للاصلاحات وإنقاذ الاقتصاد والشعب اللبناني، بل يكترث لتسريع ملف الغاز في المنطقة، ضماناً لتوريده إلى أوروبا في ظل تزايد الحاجة لبديل عن الغاز الروسي. وبما ان إسرائيل دولة نفطية، كان الحل الأسرع هو ترسيم الحدود البحرية وطي صفحة إصلاح النظام في لبنان، عبر الإبقاء على أقطابه وتعويمهم بعد تضييق الخناق الشعبي عليهم إثر تظاهرات 17 تشرين الأول 2019 وتفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020. ومع التعويم وغياب الإصلاحات وترسيم الحدود بما يتعارض مع المصلحة الوطنية اللبنانية، تظهر بوادر استمرار الركود والتضخّم والانهيار.