تذهب همروجة الترسيم البحري وتعود ورشة التعويم الحكومي، وبين انجاز العرض النهائي للترسيم والاستعدادات لمعاودة مساعي التعويم من اجل تأليف حكومة جديدة، زيارة لوزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا لبيروت من مساء الخميس الى مساء الجمعة، حضّت فيها بقوة وحزم على ان ينتخب اللبنانيون رئيساً لجمهورية لبنان- لبنان الذي لا يتحمل أي فراغ في السلطة.
زيارة كولونا التي استغرقت عشرين ساعة، حصلت بعد تبلور الصيغة النهائية لمفاوضات الترسيم، والموافقتَين المتوازيتَين الاسرائيلية واللبنانية على صيغة التفاهم الذي ينتظر محطة الناقورة كي يوقّع لبنان على النسخة المنقحة، ويوقّع الاسرائيليون على ورقة أخرى تحمل ذات النسخة، وطبعاً بوجود الوساطة الاميركية ورعاية الأمم المتحدة، التي ستُرسَل اليها النسختان لاحقاً، علماً ان الصيغة التي حصلت من خلال المفاوضات والتي تبلورت فيها الورقة، ليست لا معاهدة ولا اتفاقية، ولا تحمل بصمات تطبيعية، بل هي تفاهم، حرص لبنان على حصره بهذا المفهوم، كي لا يمتّ بصلة لأي تطبيع، وبالتالي فإن الاصوات التي تُسمع ضد ما حصل لن تكون لها مفاعيل تعطيلية، فالتفاهم الحاصل متواضع من حيث النعوت والحيثيات والمصطلحات، وإنما، كبير من حيث النتائج المستقبلية اقتصاداً، واستقراراً اقليمياً، بحسب توصيفات أميركية وفرنسية واوروبية وقطرية مرحبة، ومن دون أن نغفل عن الموافقة الضمنية لإيران على المجريات التي أدّت الى بلوغه ملف الترسيم.
أوساط سياسية مطّلعة أوضحت لـ “ليبانون فايلز”، ان الجمود الذي اكتنف مسار الجهود والمساعي لتأليف حكومة، وبعد الجلسة الثانية في ١٣ تشرين الاول لانتخاب رئيس للجمهورية وعدم اكتمال النصاب حتى لانعقاد أول جولة فيها، وبعد زيارة كولونا، ومواقفها “المشددة على اللبنانيين وحدهم اختيار رئيس يستطيع أن يرأس الشعب ويعمل مع اللاعبين الاقليميين والدوليين لتخطي الأزمة الحالية، لضمان استقرار وأمن وسلامة لبنان”، كما دعت الى التأليف الحكومي، وقالت “انها تتحدث باسم فرنسا والاتحاد الاوروبي وكذلك باسم شركاء لبنان الدوليين” ووصفت اتفاق الترسيم بالتاريخي لكنه لا يحل مكان الاصلاحات، بعد كل هذه المجريات في الأيام الأربعة الماضية، ظهرت استعدادات ومعطيات تؤشر الى ان الساعات المقبلة ستشهدا تعويما لمساعي العمل لتأليف حكومة جديدة، وضمنها يعود اللواء عباس ابراهيم لحركته المكوكية على هذا المسار، وتعود مسألة الخيارَين، الاول تعديل اسمَين لحقيبتَين في الحكومة الحالية، او تعديل ستة اسماء لستّ حقائب، ثم تتبلور الصيغة الحكومية المعدلة، ثم تصدر المراسيم منتصف الاسبوع وقبل ٢١ تشرين الاول يكون السياق الدستوري بما فيه الثقة اكتمل، هذا اذا كان المنحى الايجابي للاتصالات وقبلها النيّات.
الاوساط لم تخفِ ان نسبة سلوك هذا المسار الايجابي أكبر بقليل جدا من نسبة المسار السلبي، لكنها أشارت الى أن اشارات ومؤشرات المخاوف من عدم انتخاب رئيس للجمهورية من الآن وحتى نهاية المهلة الدستورية في ٣١ تشرين الأول، حدت وتحدو بمعظم الأفرقاء السياسيين خصوصاً المعنيين مباشرة بتسيير الأمور، الى الضغط في اتجاه الوصول الى تأليف حكومة كاملة المواصفات تتولى المهمات ابان الشغور الرئاسي، او الفراغ الرئاسي (كل بحسب ما يرى التسمية) وذلك من أجل تأمين مستوى مقبول من الاستقرار السياسي والاداري وغير ذلك، وضمان حد من الاطمئنان الى عدم تفلت فوضى وماشابه، فيما لم يُنتخب رئيس.
وهو ما لفت اليه ايضا النائب اللواء جميل السيد عندما انفضت جلسة ١٣ تشرين لانتخاب رئيس جمهورية.
وإذا تحدثنا عن رغبة “هذا المعظم من الأفرقاء” بدعم الاتصالات التي تتجدد في الساعات المقبلة نحو التأليف، فإن البعض من خارج “هذا المعظم” ، وإن تحدثوا بوجوب تأليف حكومة، إلا أنهم في قرارتهم، يتمنون لو أن الحكومة لا تؤلف، وحتى لو أن رئيساً لا ينتخب ضمن المهلة، اعتقاداً منهم بأنه سيكون لهم ( كل فريق من هؤلاء البعض) هامش من الحركية وربما الوقائع لتحسين ظروفهم السياسية واعادة تعزيز وتعويم مواقعهم، وبالتالي يظنون ان تلك الحال، ستخدمهم في مجالات ومستويات عدة، لكن هؤلاء وعلى قلتهم، يدركون في الوقت نفسه، أن تطورات سلبية محتملة، إذا انحصرت بالمجال الأمني، فإنها لن تخدم سوى شخصية مثل شخصية قائد الجيش العماد جوزاف عون سواء في مسار الاستحقاق الرئاسي، أو أي مسار مؤسساتي انتقالي آخر.
وهنا من العدالة الاشارة الى أسماء جدية مطروحة ايضا في السياقات العامة التوافقية والاقتصادية، كمثل سليمان بك فرنجية، وزياد بارود، وجهاد أزعور، اضافة الى اسم ميشال معوض المطروح في اول وثاني جلسة انتخابية، والجلسة الثالثة المقبلة في ٢٠ تشرين الأول.
بالعودة تحديدا الى امكانات تعويم الجهود وتثميرها لتأليف حكومة خلال الأيام الخمسة المقبلة، فإن حزب الله لا يزال على مواقفه الحاضة والضاغطة من أجل الوصول الى التأليف، خصوصا ان الوقت يدهم، والانتخاب الرئاسي مبهم.