بالشكل الاحتيالي المعتاد، تُرك البند الأهم في الموازنة لربع الساعة الأخير، فأُقرّ سريعاً احتساب الدولار الجمركي على سعر صرف يبلغ 15 ألف ليرة وسط هرج ومرج حول أرقام الإيرادات والنفقات التي هبطت بالبراشوت في الجلسة المسائية لمجلس النواب وخلال ساعة، أقرّت الكتل النيابية مشروع موازنة 2022 بعجز يبلغ 10 آلاف مليار ليرة بعدما أنفق الاحتياط المقرّر سابقاً بكامله وقيمته 6700 مليار ليرة.
هي موازنة بالمعنى التقليدي للموازنات اللبنانية، أي أن نفقاتها تتسم بطابع تشغيلي، إذ يذهب القسم الأكبر منها لتمويل خدمة الديون للمصارف المحليّة (جرى تعليق الدفع للدائنين الأجانب وكلفة هذه الديون غير ملحوظة نهائياً في الموازنة لا من باب التقدير ولا من باب الاحتياط)، وعلى الرواتب والأجور والمصاريف التشغيلية للقطاع العام. في السابق كان هناك بند إضافي ينال حصّته من النقاش هو سلفة الخزينة لدعم استهلاك الكهرباء، أما اليوم، فقد قرّرت السلطة إلغاء الكهرباء فعلاً وعلى الورق.ما لم يتغيّر أيضاً مقارنة مع السابق، هو أن السلطة لا تهتم بالتأخر في إقرار الموازنة. فهذه الموازنة تأتي بعد غياب لسنتين، وبعد مرور تسعة أشهر من السنة الجارية، أي أنها لزوم ما لا يلزم. فالأرقام مخصّصة لثلاثة أشهر متبقية من هذه السنة، فيما لم يطّلع المجلس النيابي على قطع حساب السنوات الماضية.
والنقاشات التي دارت حول مشروع موازنة 2022 تشبه النقاشات في الموازنات التي سبقت الانهيار. التماثل انطلاقاً من الكذب الذي تمارسه قوى السلطة؛ إذ لا اهتمام لديها خارج عمليات التجميل المحاسبية التي تتيح لها نافذة من شراء الوقت والترقيع. قبل الانهيار كان النقاش يتصل بالحرص على عدم تخطّي العجز 5% من الناتج، وذلك من خلال إخفاء بعض النفقات واعتبارها سلف خزينة، أو نفخ بنود الهبات والقروض أما اليوم، فقد تعهدت الحكومة بتأجيل مدفوعات بقيمة 1000 مليار ليرة لمصرف لبنان، والغاء قسم من المنافع الاجتماعية التي يحتمل أن تُسدّد بسلف خزينة بعد نفاد المبلغ المخصّص سابقاً لاحتياط الموازنة بقيمة 6700 مليار ليرة والذي أضيف فوقه 1000 مليار ليرة تستعمل خلال الأشهر الثلاثة لتمويل متممات الرواتب للمتقاعدين. بهذا المعنى، كان إقرار الموازنة هدفاً بذاته من أجل تلميع صورة القوى السياسية أمام المانحين الدوليين الذين وعدوا بتنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر» وضخّ تمويل بالعملة الأجنبية إلى لبنان بقيمة تفوق 11 مليار دولار.
ولولا أن إقرار هذه الموازنة لن يقيّد عملية الإنفاق وليس له أي تأثير واسع على عمليات الخزينة في الاشهر الثلاثة المتبقية (من عمر الموازنة)، فلم تكن لتقرّ هذه الموازنة. حتى أن صندوق النقد الدولي تنبّه لهذا الأمر في بيانه الأخير وأشار إلى الآتي: «ميزانية 2022 لم يوافق عليها البرلمان بعد. وهذا التأخير الطويل في الموافقة عليها يتطلب، لأغراض الاقتصاد الكلي، أن يتحوّل التركيز الآن إلى إعداد ميزانية 2023 ذات الصدقية، وإقرارها. يجب أن يستند هذا الأمر إلى افتراضات واقعية للاقتصاد الكلي، مع التدابير اللازمة لزيادة الإيرادات بما في ذلك استخدام سعر صرف واقعي (أي سعر الصرف الذي يجب أن يصبح سعر السوق مع توحيد سعر الصرف) لجميع الأغراض الضريبية. وينبغي أن يسمح ذلك بزيادة كبيرة في الإنفاق الاجتماعي والاستثماري والتكيف مع إنفاق القطاع العام لإعادة بدء الأداء الأساسي للإدارة العامة في وقت تختفي فيه الخدمات العامة مع تأثير ملحوظ على تحصيل الإيرادات».
كلام الصندوق واضح عن فرضيات الاقتصاد، وعن توحيد سعر الصرف. بكلام آخر، موازنة 2022 لزوم ما لا يلزم بشكلها الحالي بلا توحيد أسعار الصرف وبلا فرضيات واقعية للاقتصاد.