يبدو أن كل الأفرقاء، سواء أولئك الذين يُعتبرون في “المعسكر السيادي”، أو الذين هم في “المعكسر الممانع” سيلجأون إلى “سلاح” تعطيل جلسات إنتخاب رئيس للجمهورية، بإعتبار أن التوافق بين هذين “المعسكرين” غير وارد في الظرف الراهن، إذ أن كل فريق “يتمرس” خلف مواقفه العالية السقوف، فيما الحديث عن الفراغ قد أصبح أمرًا لا مفرّ منه.
من هنا، بات مرجحا أن حكومة جديدة ستُشكل وتصدر مراسيمها قبل نهاية شهر أيلول الجاري، وبعد عودة الرئيس نجيب ميقاتي من نيويورك حيث يشارك في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ويلتقي قادة ومسؤولين منهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكن، وبعد إقرار الموازنة العامة في جلستي الأثنين الصباحية والمسائية.
في الواقع، ليس في الأمر حكومة جديدة، وإنما إنعاش للحكومة الحالية بأسماء جدد، يتخطى عددهم الأربعة، أي تعويم حكومة تصريف الأعمال وتحويلها من حكومة مستقيلة الى حكومة مكتملة المواصفات والصلاحيات، ما يجعلها مؤهلة وقادرة على إدارة مرحلة الفراغ الرئاسي من دون نزاعات ومواجهات دستورية وسياسية وهذه الحكومة “المعّدلة” لن تكون مطّعمة بـ6 وزراء دولة سياسيين، إذ أن هذا الإقتراح الذي طرحه الرئيس ميشال عون لم يعد قائما بعدما رفضه الرئيس نبيه بري الذي أسقط ورقة إعطاء النائب باسيل وضعًا أفضل في مرحلة الفراغ.
ما بات محسومًا، وفق ما يتردّد في “الصالونات السياسية، هو أن الفراغ الرئاسي قد أصبح أمرًا واقعًا. وقد نكون في هذه الزاوية بالتحديد أول من أشار إلى المعطيات، التي ستؤدّي إلى الفراغ، في الوقت الذي كان يُقال في أكثر من موقع سياسي كلام مغاير لهذا الواقع.
أمّا الأمر الآخر الذي بات محسومًا أيضًا فهو أن الرئيس عون سيغادر قصر بعبدا عند انتهاء ولايته من دون تأخير ومن دون تردد. فهو لا يريد البقاء دقيقة واحدة بعد منتصف ليل 31 تشرين الأول المقبل، أو بالأحرى لا يمكنه البقاء، إذ سيكون في هذه الحال مغتصبًا للسلطة ومتمردًّا على الشرعية.
إذًا، فإن إنتخاب رئيس جديد للجمهورية ليس متاحًا وممكنًا ضمن المهلة الدستورية، وهذا الأمر يتطلب مزيدًا من الوقت والتشاور والتوافق، لأن ليس في قدرة أي فريق على فرض أو إيصال مرشحه، فيما “الرئيس التوافقي” ليس جاهزًا بعد.
لذلك، وبعدما إقتنع الرئيس عون والنائب باسيل وفريقهما السياسي بأن الوصول الى نهاية الولاية الرئاسية مع حكومة تصريف الأعمال الحالية سيؤدي الى فوضى دستورية وأزمة سياسية كبرى، والى تسريع وتيرة الإنهيارات على كل المستويات، جاء تدّخل “حزب الله”، الذي أبلغ الجميع أنه لا يقبل أن يخرج رئيس الجمهورية من قصر بعبدا “منكسرًا”، ما يتناقض مع رغبة الحزب في “الخروج “المشّرف” للرئيس عون، وفي الحفاظ على “ماء الوجه” لباسيل.
ولأنه من المتعذر أو من غير الممكن تشكيل حكومة جديدة منبثقة عن المجلس النيابي الجديد وفتح الموضوع على توازنات جديدة ومطالب وشروط كثيرة، فإن الخيار الوحيد المتاح بالنسبة إلى “حزب الله” هو تعويم الحكومة الحالية وتثبيتها والذهاب بهدوء الى انتخابات رئاسية، ولو بعد حين، ومن موقع القادر على “الإنتظار المريح”، وعلى إدارة مرحلة الفراغ الرئاسي، أي مرحلة ما بعد عون، من خلال ممارسة الحكومة المعوّمة، وإن في إطار جديد، الصلاحيات الرئاسية بأقل أضرار ممكنة.