لم يعد الحديث عن الدفع بالدولار مجرد تكهنات أو تسريبات للقيّمين على قطاعات الانتاج اللبنانية، بل أصبح الامر واقعا معلنا لا خوف من ارتداداته على الأرض ويتباهى به أصحاب الشأن مخيّرين اللبناني بين دفع الفاتورة بالدولار أو الاستغناء عن الخدمة.
شركات النفط من القطاعات التي أعلنت تقاضيها ثمن المحروقات التي تبيعها للسوق اللبناني بالدولار الاميركي بدءا من الاسبوع المقبل بعد ان رفع مصرف لبنان يده عن الدعم من خلال منصة صيرفة وبات على هذه الشركات البحث عن الدولار في السوق لشراء المحروقات من الخارج.
حكما سينسحب الامر على المحطات لأن غالبيتها هي ملك لتلك الشركات، وبالتالي فإن اللبناني مُجبر على دفع ثمن صفيحة البنزين بالدولار الاميركي ومن المرجح ان تمتنع الشركات عبر محطاتها القبض بالليرة اللبنانية ولو على
سعر الصرف في السوق السوداء او أقل بقليل، فهدف تلك الشركات توفير الفريش دولار لشراء الفيول من الخارج، وأي حديث رسمي يصدر عن الوزارة وموظفيها هو مجرد شيكات بلا رصيد بالنسبة للشركات التي تبحث عن اي دولار يصلها بعد ان سحب المصرف المركزي بساط صيرفة من تحتها.
اللبناني الذي رضخ لصفيحة بنزين بسعر لامس عتبة الـ 700 ألف ليرة بعد أن خُيّر بين صفيحة بنزين مرفوع عنها الدعم أو الانتظار أمام طوابير الذل، ينتظر اليوم تعبئة مخزون سيارته بالدولار الاميركي وإن لم يتوفر فمجبر على اختيار وسيلة أُخرى.
ودولار البنزين لن يتوقف عند المحطات بل سيشمل كل الخدمات التي تستهلك المادة، فسيارات الأجرة ستُصدر تعرفة بالدولار الاميركي نظرا لتقلبات الاسعار المرتبطة مباشرة بتقلبات دولار السوق السوداء.
أصحاب المولدات استبقوا المحطات، وبادروا الى اصدار فواتيرهم بالدولار الاميركي وبأسعار تراوحت بين الخمسين دولارا والثلاثمئة دولار، ومن رفض الدفع بالدولار الاميركي بادر صاحب المولد الى قطع الاشتراك من دون العودة الى السلطات الرقابية.
أما الجولات التي قام بها وزير الاقتصاد واعلن في خلالها تسطير محاضر ضبط بحق أصحاب المولدات، فكانت مجرد استعراضات والظهور أمام الرأي العام بأن الوزير قام بعمله في مقابل أصحاب المولدات الذين شددوا على موقفهم واستمروا بعملهم برضى المواطن المُخير من قبل الدولة بين عتمة شاملة أو كهرباء بالدولار.
بدءا من الاسبوع المقبل ستزداد الامور تعقيدا وقد نشهد ارتفاعا جنونيا للدولار كان الخبراء حذروا منه، وهو نتيجة توقف منصة صيرفة عن العمل في اكثر من مصرف وتحذير مصرف لبنان من نفاد الاحتياط النقدي بالدولار الاميركي لديه، والاتجاه نحو ترشيق الصرف.
وتحذيرات مصرف لبنان أسبابها معروفة وأبرزها طلب الحكومة المزيد من الفريش لرفع رواتب الموظفين واعطاء مساعدات اجتماعية للمتقاعدين وتحفيزات مالية لموظفي أوجيرو المُصرين على مطالبهم بقوة امتناعهم عن تشغيل السنترالات وشل البلاد.
ولن ترحم أسعار السلع الغذائية جيوب المواطنين فدَولرة المشتقات النفطية سينسحب على مختلف القطاعات الاستهلاكية، والمواطن الذي يتقاضى اليوم راتبه بالليرة اللبنانية سيكون امام كارثة ايجاد الدولار الاميركي الذي يتحول الى عملة رسمية في البلاد بعد رفض الجميع الاعتراف بالليرة اللبنانية.
الازمة طويلة وتتمدد ودولرة الاقساط التربوية والوقود والكهرباء وكل الخدمات التي تعني المواطن في يومياته ستولد حالة عدم استقرار في البلاد، وطالما ان الاتفاق السياسي على ادارة الازمة غير وارد حتى الساعة، فإن الانهيار والانفجار يتقدمان على حلول الطبقة السياسية الظرفية.