كتبت سناء الجاك في “نداء الوطن”:
يحلّ الرابع من آب هذا العام وكأن جريمة تفجير مرفأ بيروت وقعت قبل مئة عام، وسقط عن جدول أعمال هذه السلطة ومن يتحكّم بها.
وفي حين ترافقت الذكرى الثانية لهذه الجريمة مع تهويل بشأن انهيار الصوامع الشمالية من الأهراءات، التي تركت لمصيرها منذ عامين وترك ما فيها يتعفّن ويتفاعل بالرطوبة، وصولاً إلى انهيار الجزء الشمالي منها، يستمرّ المسؤولون في نسف أي مساعٍ للتقدم في التحقيق. وآخر فصول النسف عكسته مهزلة تعيين أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وفق مبدأ المحاصصة والتوزيع الطائفي، ومن دون احترام أدنى المعايير المتعلقة بروحية القانون والقضاء، مع إصرار على أن يكون المجرم هو الحكم.
وكانت الإشارات، لمن يذكر، قد دلّت على وضع هذه الصوامع مع اندلاع مسلسل حرائق صغيرة منذ ما بعد الجريمة إلى يومنا هذا، ولم يصر إلى معالجتها بالمستوى المطلوب.
فمن جهة، كان تنظيف ساحة الجريمة من الأدلة هو المطلوب. ومن جهة ثانية، كانت النوايا الحقيقية للسلطة وما تخططه لمصير الأهراءات، تنشط في التحضير لصفقة متخمة بالسمسرات والمحسوبيات، وتطبخ على نار هادئة ليتم إمرارها في الوقت المناسب تحت شعار إعادة إعمار المرفأ كله من جديد، بطريقة حديثة.
ومع التخويف والإيحاء بأن المطلوب تجنباً للغازات السامة إقفال النوافذ ووضع الكمامات، والانشغال بالطارئ الحالي وعرقلة التحشيد الشعبي لإحياء الذكرى والمطالبة بإحقاق الحق، يأتي تصريح وزير النقل والأشغال العامة علي حمية، ليؤكد مسعى طي الملف في المنحى الذي كان سائداً منذ اللحظة الأولى لوقوع الجريمة، وهو السعي لإلغائها وكأنها لم تحصل.
وأبعد من أي اعتبار لبقاء أي جزء يمثل ذاكرة جماعية عن 4 آب، لا بدّ من التوقف عند مثل هذا الطرح، وتحديداً لأن حمية أشاع أن لا حاجة للمكان في التحقيقات التي لم تنته، والتي يشوب ما أنجز منها حتى اليوم الكثير والمريب من مغالطات أعد ما فيها غب الطلب ربما، ولأن كل الأساليب استخدمت للتشويش وشل قدرة المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، ولتحريك ملفات من هنا وهناك، وافتعال أزمات من هنا وهناك لإلهاء المتضررين أولاً وبقية اللبنانيين ثانياً، عن شفافية الوصول إلى محاسبة المرتكبين بعد كشفهم.
لكن، من الواضح أن سياسة دفن الجرائم والتصرف وكأن لا علاقة للسلطة بالكيان اللبناني الغارق في موته السريري متواصلة، ولا حضور لهذه السلطة وللدولة وإدارتها، إلا من حيث العناوين الكبيرة الخاوية والخالية من أي مفعول.
فمعايير الدولة/الوطن، لا ترتبط بالفجيعة التي خلفتها الجريمة قبل عامين، ولا ترتبط، أيضاً، بقطع العلاقة مع النمو والتطور والأمن والأمان والاستقرار إلى أجل غير مسمى.
ولا يهم من يتشدّق بأنه يحمي لبنان، أو يستغلّ شعبوياً محطات كترسيم الحدود، أن ما في داخل هذه الحدود قد تشظّى، وراح إلى اللادولة.
وأنه بات لزاماً على هذا الشعب أن يستفيق من غيبوبته ويبحث عن وسائل استعادة الوطن المفقود، ليس عبر صورة تعرِّف عنه وتتوسطها الأرزة، وليس عبر احتجاجات عقيمة أو تنفيس غضب بتوصيف الداء وتجاهل الدواء، لأن المطلوب مواجهة إسقاط 4 آب عمداً إلى حيث يريدون له أن يسقط… تماماً كما أسقطت الجرائم والفظائع التي ارتكبت ولا تزال ترتكب، ولا مكان لها على جدول أعمالهم…