كتبت جويس الحويس في موقع JNews Lebanon
لم يكن مقتل الشاب إيليو أرنستو أبو حنا مجرّد حادث أمني عابر.
في فجرٍ لبنانيّ مضطرب، وبين أزقّة العاصمة التي أنهكها الانقسام، دوّى خبر مقتله كرصاصة في الوعي الوطني: شاب من مزيرعة – زغرتا يسقط برصاصة فلسطينية عند مدخل مخيّم شاتيلا، داخل حدود الدولة اللبنانية.
حادثة واحدة كانت كفيلة بأن تفتح الباب مجدداً على واحد من أكثر الملفات حساسية في لبنان: ملف السلاح غير الشرعي داخل المخيّمات الفلسطينية، وحدود السيادة اللبنانية فوق أراضيها.
بحسب المعلومات الرسمية، أطلق عناصر من القوة الأمنية المشتركة الفلسطينية النار على سيارة الشاب عندما لم يتوقف أمام حاجز أقامته هذه القوة عند مدخل المخيم. الرصاصة أصابت إيليو في رأسه، ونُقل على الفور إلى المستشفى حيث فارق الحياة متأثراً بجراحه.
لكن خلف هذه الوقائع الباردة، تقبع أسئلة أكثر حرارة: من سمح بإقامة هذا الحاجز؟ ومن أعطى الأمر بإطلاق النار؟ وهل بات اللبناني مهدّداً داخل وطنه باسم “الأمن الذاتي”؟
غضبٌ في الشارع وتساؤلات في السياسة
ساعات قليلة بعد الحادثة كانت كافية لإشعال موجة غضب في الشارع الشمالي، حيث خرجت دعوات تطالب بمحاسبة المسؤولين عن الجريمة “مهما كانت هويتهم”. وأكدت مصادر سياسية لموقع JNews Lebanon أن “الشارع الزغرتاوي يشعر بأن دم إيليو يمثّل كل شاب لبناني خرج من بلدته بحثاً عن عمل أو حياة أفضل، ليُقتل برصاص غريب على أرضٍ يجب أن تحميه لا أن تقتله”.
الصدمة لم تقتصر على الشارع. فقد عبّر نواب وشخصيات سياسية عن استنكارهم، معتبرين أنّ ما جرى “إهانة مباشرة لسيادة الدولة”، وأنّه “نتاج طبيعي لترك السلاح الفلسطيني متفلّتاً خارج رقابة الشرعية”.
وتكشف معلومات خاصة لـ JNews Lebanon أنّ اتصالات عاجلة جرت بين وزارة الداخلية وقيادات فلسطينية في بيروت بعد الحادثة، تخللها توتر شديد، خصوصاً بعد أن تبيّن أنّ الحاجز الذي وقع عنده إطلاق النار لم يكن منسّقاً مع الأجهزة اللبنانية.
أزمة السيادة المتكرّرة
ليست هذه المرة الأولى التي يدفع فيها لبناني ثمن فوضى السلاح الفلسطيني. فمنذ عقود، يعيش لبنان مع معادلة ملتبسة: “سيادة منقوصة داخل المخيّمات”، حيث تتداخل سلطات الفصائل، وتتحوّل المناطق إلى جيوب أمنية خارجة عن سلطة الدولة.
حادثة مقتل إيليو أعادت التذكير بهذه الحقيقة القاسية: أنّ المخيّمات ما زالت “جزر أمنية” تحتكم إلى قوانينها الخاصة، وأنّ الدولة اللبنانية لم تجرؤ حتى الآن على كسر هذا الجدار.
يقول مصدر أمني مطّلع لـ JNews Lebanon إنّ “الحادثة كانت نتيجة مباشرة لغياب التنسيق الأمني الدقيق بين الجيش اللبناني والفصائل الفلسطينية داخل شاتيلا”، مشيراً إلى أنّ “التحقيقات الأولية تُظهر أن إطلاق النار تمّ بطريقة عشوائية، من دون أن يكون هناك تهديد فعلي يبرّر استخدام السلاح”.
ويضيف المصدر: “الأخطر أن بعض النقاط المسلّحة عند مداخل المخيّمات لا تخضع لأي إشراف رسمي لبناني، وهو ما يجعل أي احتكاك قابلاً للتحوّل إلى جريمة”.
مأساة إيليو كجرس إنذار
بين الألم والصدمة، وقف والد إيليو أمام عدسات الكاميرات قائلاً بمرارة: “أنا حرّ في بلدي، لا أحد يمنعني من المرور في أي طريق”.
كلماته تلخّص جوهر الأزمة: شعور المواطن بأن دولته عاجزة عن حمايته، وبأن القرار الأمني ليس في يدها بالكامل.
مصادر خاصة في JNews Lebanon تؤكّد أنّ دوائر في السراي الحكومي بدأت بالفعل تدرس إعادة تفعيل “خطة أمن المخيمات”، وهي الخطة التي كانت مجمّدة منذ عام 2019، بهدف إعادة تنظيم العلاقة بين الدولة والفصائل الفلسطينية، وحصر أي مظهر مسلح ضمن نطاق واضح وتحت إشراف لبناني مباشر.
لكن المصادر نفسها تشير إلى أن “النية موجودة، إلا أن الإرادة السياسية لم تتبلور بعد”، خصوصاً في ظل الانقسام الحاد داخل الحكومة حول مقاربة الملف الفلسطيني.
نحو مرحلة جديدة؟
حادثة شاتيلا ليست مجرّد خطأ فردي، بل لحظة كاشفة عن اختلالات بنيوية في الواقع اللبناني. فهي تمسّ بمبدأ السيادة، وتعيد طرح سؤال: هل يمكن للبنان أن ينهض من أزماته وهو عاجز عن فرض سلطته على كامل أراضيه؟
كثيرون يخشون أن تمرّ الحادثة كسابقاتها، في ضجيج الغضب ثم صمت النسيان. لكن هناك من يرى فيها فرصة نادرة لإطلاق مسار فعلي نحو حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية. فدم إيليو أبو حنا، كما تقول إحدى الشخصيات الشمالية لـ JNews Lebanon، “يجب أن يكون بداية إصلاح، لا مجرد مناسبة للبكاء”.
وفي انتظار نتائج التحقيق، يبقى السؤال معلّقاً فوق المشهد اللبناني بأكمله:
هل سيكون مقتل إيليو الشرارة التي تدفع الدولة لاستعادة سيادتها المفقودة؟ أم أنّ الرصاصة التي أنهت حياة شابٍ في مقتبل العمر ستُدفن معه في مقبرة النسيان؟

