كتبت كارولين عاكوم في الشرق الأوسط:
عادت أجواء الحرب إلى جنوب لبنان، حيث لا يمر يوم من دون سقوط شهداء وجرحى على وقع الغارات المتنقلة والمسيَّرات التي لا تفارق الأجواء، بينما أعلن الجيش الإسرائيلي عن «اكتمال تمرين الفرقة 91 على الحدود اللبنانية»، فيما وصفه «أوسع تمرين منذ بداية الحرب؛ لتعزيز الجاهزية العملياتية في الدفاع والهجوم – بحراً وجواً وبراً».
هذا في وقت أكد فيه وزير الخارجية يوسف رجّي خلال زيارة له إلى الجنوب أن «الاعتداءات الإسرائيلية والنقاط الخمس العسكرية الإسرائيلية، تزيدنا تصميماً على ضرورة تحرير الأراضي اللبنانية ودعم الجيش اللبناني في جهوده لبسط سيادة الدولة وتطبيق قرار 1701، وتنفيذ قرار الحكومة بحصر السلاح في يد الدولة واستعادة قرار الحرب والسلم».
وقام رجّي بجولة تفقدية على متن طوافة تابعة لقوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل)، اطّلع خلالها على حجم الدمار الذي خلّفته الاعتداءات الإسرائيلية في القرى الحدودية، وتفقد الخط الأزرق والنقاط الخمس التي تحتلها إسرائيل، كما شملت الزيارة تحليقاً جوياً على الحدود وتفقداً للقرى المتضررة والدمار الهائل الذي سببته.
والغارات المتنقلة بين الجنوب والبقاع أدت خلال ساعات إلى سقوط ستة شهداء وعدد من الجرحى؛ إذ بعدما كان استشهد شخصان في غارات استهدفت البقاع ظهر الخميس سقط شهيدان مساءً في غارة على الجنوب، ومن ثم قتيلان آخران صباح الجمعة، بعدما كان قد قُتل شخص أيضاً في عين قانا ظهر الأربعاء.
وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» ظهر الجمعة عن تنفيذ مسيَّرة إسرائيلية غارة بصاروخ موجه، مستهدفة سيارة على طريق بلدة تول، قضاء النبطية، حيث اندلعت النيران بالسيارة المستهدفة، لتعود وزارة الصحة اللبنانية وتعلن أن الغارة على تول أدت إلى سقوط شهيدين وإصابة مواطنين اثنين بجروح. وأشارت وسائل إعلام لبنانية، إلى أن المستهدف هو عنصر في «حزب الله» كان قد أصيب العام الماضي بعملية تفجير أجهزة الـ«بيجر»، وهي المرة الثانية التي يُستهدف فيها جريح «بيجر» بعدما كان قد قُتل عنصر مصاب قبل أسابيع، مع زوجته.
ولاحقاً، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن «الجيش قضى على عباس حسن كركي مسؤول الشؤون اللوجيستية في قيادة جبهة الجنوب في (حزب الله)»، مشيراً إلى أنه يشرف «على عمليات إعادة إعمار قدرات القتال في حزب الله، وشغل منصب مسؤول إعمار بناء القوة في حزب الله وأدار عمليات لنقل وتخزين وسائل قتالية في جنوب لبنان».
وأتت الغارة على تول بعد ساعات على استشهاد سيدة ورجل مساء الخميس، في استهداف غرفة صغيرة في بلدة عربصاليم، في إقليم التفاح. وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن الغارة أدت إلى مقتل المواطنة زينب موسى (82 عاماً) عندما كانت في منزلها المجاور لمكان الغارة، التي استهدفت حيّاً سكنياً والشاب ماهر يونس (43 عاماً)، إضافة إلى جرح عدد من الأشخاص.
وقالت «الوطنية» إن «الغارة استهدفت غرفة لا تتعدى مساحتها الـ25 متراً مربعاً كانت تُستعمل للأشغال الزراعية، ودُمّرت بالكامل وتقع على مقربة من مبنى البلدية والحديقة العامة، وتسببت بأضرار كبيرة في المنازل المجاورة وتحطم الزجاج فيها، إضافة إلى أضرار بشبكات الكهرباء والهاتف واشتراك الكهرباء وعملت فرق فنية على إصلاحها.
هذا في موازاة استمرار سياسة خنق الجنوب اقتصادياً، ومنع إعادة الإعمار عبر منشآت مدنية وصناعية تستخدم لهذا الهدف.
وسجّل في هذا الإطار، إلقاء مسيّرة إسرائيلية قنبلة صوتية، بالقرب من جرافة في الحي الغربي في مدينة الخيام؛ ما أدى إلى احتراقها وعمل عناصر من الدفاع المدني على إطفائها وسط تحليق مسيّرة إسرائيلية على علو منخفض.
كما استهدفت غارة إسرائيلية محيط منزل مدمر في ميس الجبل من دون وقوع إصابات.
ضغط وتصعيد مفتوح
وتضع مصادر وزارية هذا التصعيد العسكري في خانة الضغط على لبنان من دون أن تستبعد تسارع الوتيرة، معوّلة في ذلك على ما ستقوم به لجنة مراقبة وقف إطلاق النار التي يفترض أن تستأنف اجتماعاتها مع الجنرال الأميركي الجديد، الأربعاء المقبل.
من جهته، يقول اللواء الركن المتقاعد عبد الرحمن شحيتلي، لـ«الشرق الأوسط» إنه «يمكن القول اليوم إننا دخلنا في مرحلة الضغط العسكري على لبنان؛ وذلك انطلاقاً من أن الأهداف التي تُقصف ليست أهدافاً جديدة، والأشخاص الذين يتم اغتيالهم ليسوا مسؤولين أو قياديين إنما عناصر في الحزب أو مؤدون له».
ويضيف: «التصعيد اليوم هو لأهداف سياسية، وذلك عبر إثارة الرعب في صفوف بيئة حزب الله، والضغط على الدولة اللبنانية للذهاب إلى المفاوضات بالشروط الإسرائيلية». أما عن مدى هذا الضغط، فيقول شحيتلي: «السقف مفتوح لأن الهدف الوصول إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الشروط».
انتهاء مناورة على الحدود وإسرائيل ترفع جهوزيتها
في موازاة هذا التصعيد، أعلن الجيش الإسرائيلي عن الانتهاء من مناورة عسكرية على الحدود مع لبنان؛ «بهدف رفع الجاهزية».
وكتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي على حسابه على منصة «إكس»: “اكتمل تمرين مكثف استمر خمسة أيام لقوات جيش الدفاع بقيادة الفرقة 91 بهدف رفع مستوى الجاهزية لسيناريوهات الطوارئ القصوى في مجال الدفاع، والاستجابة السريعة للأحداث المفاجئة، بما في ذلك استدعاء قوات الاحتياط وحشد القوات، والانتقال إلى الهجوم، وكل ذلك مع استخلاص العِبر والدروس من عامين من القتال في الساحات كافة».
وأضاف: «تم تكييف سيناريوهات التمرين وفق الوضع بعد القتال في جنوب لبنان، والذي خلاله تضررت القدرات العملياتية لحزب الله، وشملت السيناريوهات تدريباً على التعاون بين المقاتلين المكلّفين بمهمة الدفاع في المنطقة، وسلاح الجو وسلاح البحرية، بالإضافة إلى وحدات الدفاع، والمجالس المحلية، وقوات الأمن الموازية».
وأشار أيضاً إلى أنه تم تدريب «قوات اللوجيستيات والطبية والتكنولوجيا والصيانة على سيناريوهات إخلاء الجرحى تحت النيران وتقديم الدعم اللوجيستي والصيانـي والتقني في حالة الطوارئ.»، مؤكداً أن الجيش الإسرائيلي «سيواصل العمل لإزالة أي تهديد على إسرائيل، وبالتوازي سيستمر بالاستعداد لمجموعة متنوعة من السيناريوهات، والحفاظ على الجاهزية، وتحديث الخطط العملياتية».
