أثار تعميم صادر عن وزير العدل القاضي عادل نصار، ويحمل الرقم 1355، نقاشًا واسعًا في الأوساط القانونية، بعدما طلب من كتّاب العدل التقيّد بإجراءات إضافية تشمل التحقق من هوية “مالك الحق الاقتصادي”، ومصدر الأموال، ومراجعة لوائح العقوبات الوطنية والدولية عند إبرام معاملات البيع أو الإيجار.
التعميم، الذي يستند إلى القانونين رقم 337/1994 (تنظيم مهنة كتّاب العدل) و44/2015 (مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب)، أثار ردود فعل قانونية متباينة، وسط تحذيرات من أنّ بعض مضامينه قد تتجاوز صلاحيات الوزير التنظيمية، وتمس بحقوق الأفراد في التصرف والتعاقد من دون سند قضائي، ما يطرح إشكاليات قانونية ودستورية.
في هذا الإطار، يرى مصدر قانوني، في حديثٍ لـ”ليبانون ديبايت”، أن التعميم الصادر عن وزير العدل رقم 1355 يتضمّن تقييدًا لسلطة كتّاب العدل”، مشيرًا إلى أن كاتب العدل هو مأمور رسمي وليس موظفًا في وزارة العدل، إلا أنّ الوزارة تُشرف من حيث المبدأ على هذا المرفق، ما يمنحها صلاحية إصدار تعاميم توجيهية لكتّاب العدل بصفتها الجهة الناظمة والمشرفة عليهم”.
ويعتبر أنّ “الإشكالية الأساسية لا تكمن في مبدأ صلاحية وزير العدل بإصدار هذا التعميم، فهذا أمر جائز من حيث المبدأ، بل في مضمون التعميم الذي يفرض قيودًا تمسّ أهلية الأفراد لإجراء معاملاتهم لدى كتّاب العدل، خارج أي نصوص قانونية محددة تنظم هذا الأمر، فالتعميم، في هذه الحالة، لا يكتفي بتنظيم عمل كتّاب العدل، بل يضغط عليهم لرفض معاملات أطراف معيّنين بحجة إدراج أسمائهم على لوائح عقوبات وطنية أو دولية، من دون أن يكون هناك حكم قضائي بالحجر عليهم أو بتقييد أهليتهم القانونية، فهذا الأمر يثير شكوك حول مدى قانونية مثل هذا الإجراء، ومدى انسجامه مع مبدأ حصر تقييد الأهلية بالأحكام القضائية دون سواها”.
إلى ذلك، يشير المصدر إلى أن “مصطلح لوائح العقوبات الوطنية والدولية يثير أكثر من علامة استفهام، فمن يضع العقوبات الوطنية في لبنان؟ وهل يوجد أصلًا إطار قانوني ينظّم هذا المفهوم؟ أم أن المقصود هو العقوبات التي تصدر عن القضاء اللبناني بموجب أحكامه النهائية؟ فإذا كان الأمر كذلك، فالحكم القضائي هو وحده الذي يحدّد الحجر أو تقييد الأهلية أو منع التصرف للمحكوم عليه، أما بالنسبة إلى العقوبات الدولية، فهل المقصود بها تلك الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، أم أيضًا العقوبات التي تفرضها دول أخرى كأميركا أو الاتحاد الأوروبي؟ وهنا يدرج سؤال آخر حول ما إذا كانت قرارات مجلس الأمن تُعتبر نافذة حكمًا في لبنان، أم تحتاج إلى آلية داخلية لتصبح سارية المفعول، وهذا ما يطرح إشكالية السيادة في هذا الخصوص”.
ويلفت المصدر إلى أن “هذا التعميم قد يشكّل سابقة خطيرة في تقييد التعاملات بين الأفراد أو في الحدّ من أهليتهم في التصرّف، تحت عناوين مختلفة، وهذا الأمر يثير التساؤل في آنٍ معًا، إذ يشكّل بحدّ ذاته إشكالية قانونية تستوجب التوقف عندها ومناقشتها بعمق”.