لم يحمل الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك ومعاونته مورغن أورتاغوس أي جديد من إسرائيل يثلج قلب السلطة اللبنانية التي قامت بكل المطلوب منها لتنفيذ مندرجات القرار 1701 وما ورد في اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، حتى إنها أقرّت الورقة الأميركية وانتظرت الردّ الإسرائيلي، فإذا به ردّ لا يحرر أياً من المواقع المحتلة ولا يوقف التعديات اليومية ولا يطلق الأسرى.
تريد إسرائيل من لبنان خطوات تنفيذية تذهب بعيداً في تجريد حزب الله من سلاحه ولو بالقوة، مع إبداء استعدادها للمساعدة في هذ المهمة بمواقف تزيد من الشرخ الداخلي، وتصوّر حكومة الرئيس نواف سلام على أنها متواطئة مع العدو الإسرائيلي ضد شريحة وازنة من أبناء شعبها، ما يعني أن إسرائيل تريد حرباً أهلية جديدة في لبنان، لأنها تجعل من حزب الله “ميليشيا” متمرّدة على قرارات السلطة، ترفع سلاحها الذي كان موجّهاً في الأصل نحو الداخل الإسرائيلي إلى صدور اللبنانيين، فهل من مشهد يثلج قلب بنيامين نتنياهو وجوقته التي تضم إيتمار بن غفير وبتسلائيل سموتريتش أكثر من هذا المشهد؟ بالطبع لا.
أمام ما حمله الوفد الأميركي الموسّع من تل أبيب من شرط يربط البدء بخطوة في مقابل خطوة، وعلى رأسها الإنطلاق بعملية نزع سلاح حزب الله قبل أي تقليص لحجم قواتها في التلال المحتلة، وجدت السلطة في لبنان نفسها في مأزق محرج ووجد الحزب نفسه في موقع مريح لاستراتيجيته القائمة على ضرورة تطبيق بنود اتفاق وقف إطلاق النار، ومن ثم البحث
في استراتيجية دفاعية وطنية تبقي السلاح في مخازن الجيش وبتصرف الجيش وحزب الله معاً عند أي خطر خارجي.
الردّ اللبناني على الشروط الإسرائيلية وتّر الموفد الأميركي توم برّاك، ودفعه إلى توجيه لوم للصحافيين والإعلاميين في القصر الجمهوري، وعلى الرغم من محاولات تبديل الكلمة المستخدمة من جانب برّاك للتخفيف من وطأة الإهانة، إلّا أن وسائل إعلام أميركية وبريطانية نقلت ما قاله الموفد الأميركي حرفياً مستغربةً عدم انتفاض أي من الصحافيين لكرامته وكرامة زملائه بوجه برّاك، وما زاد الطين بلّة البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية والذي تجنّب تسمية المسيء للصحافيين في عقر دارها، مكتفياً بالإشارة إلى براك بالقول “أحد الضيوف”. هذا الضيف يحمل اسماً نصفه أميركي ونصفه الآخر لبناني، وكان يمكن لمن صاغ البيان أن يذكره حفظاً لكرامة شريحة لبنانية بارزة تتحمّل المشقات والمخاطر لنقل الحقيقة والحقائق.
أما الأسوأ من كل ذلك، فهو تراجع الكثيرين من أبناء المهنة عن الترجمة الحرفية لما قاله براك، واعتماد كلمة أخرى نيابة عنه للتلطّي وراء عدم الانتفاض بوجه الزائر الأميركي.
وكي لا نظلم الزائر ولنكون منصفين، كان على فريق الإعلام في قصر بعبدا أن يتولّى تنظيم طرح الأسئلة وتمرير المايكروفون تباعاً، ليأتي التعاطي الصحافي مع وفد أميركي بهذا الحجم والأهمية على قدر المسؤولية، لكننا كصحافيين في مراكز عملنا لاحظنا فوضى عارمة وصراخاً لحصد الانتباه والإجابة، انتهت بإهانة المنطقة ولبنان والجسم الصحافي على حدّ سواء.
وقد جاءت هذه الإهانة لتريح حزب الله وجمهوره وإعلامييه الذي تولوا عبر مواقع التواصل الإجتماعي، المقارنة بين التعامل الإيراني وذاك الأميركي مع الجسم الإعلامي اللبناني.
ما حصل في بعبدا تكرر في عين التينة من فوضى إعلامية ردّ عليها برّاك بتجاهل الأسئلة وطارحيها وغادر على الفور على الرغم من وقوفه أمام الصحافيين للإجابة عن أسئلتهم.
كل ما حصل يوم الثلاثاء يشير إلى التوتر الشديد الذي رافق جولة براك بين بعبدا وعين التينة حيث تمّ تذكيره بالمطلوب من إسرائيل، لأن لبنان سجّل خطوات متقدمة جداً بما هو مطلوب منه، فهل يستبدل برّاك لصالح حصر المهمة بيد مورغن أورتاغوس مجدداً، أم أن المطلوب منه أميركياً التعاطي مع اللبنانيين على هذا النحو؟