مشهد ينذر بكارثة بيئية ومعيشية، يواجه لبنان هذا الصيف أزمة مياه غير مسبوقة، نتيجة الشح الكبير في المتساقطات خلال موسم الشتاء الماضي. فعلى عكس ما اعتاد عليه اللبنانيون من تفاقم أزمة المياه في أواخر فصل الصيف، بدأت بوادر الأزمة هذا العام منذ بدايته، ما يثير مخاوف حقيقية من تفاقمها في الأشهر المقبلة.
وبحسب المعطيات، فإن كمية المتساقطات التي هطلت خلال الموسم الماضي لم تتجاوز 55% من المعدل السنوي العام، ما انعكس بشكل مباشر على منسوب المياه في الأنهار والينابيع والسدود. وقد ترافق هذا الواقع البيئي الصعب مع غياب أي خطة طوارئ فعالة من قبل الدولة اللبنانية، ما يضع البلاد على أعتاب أزمة متعدّدة الأبعاد، تمتد من شحّ مياه الشرب والريّ إلى ارتفاع جنوني مرتقب في أسعار شراء المياه من الصهاريج.
وإن كان بعض المواطنين اليوم لا يزال قادرًا على شراء المياه لتغطية احتياجاته اليومية، فإن هذا الواقع قد لا يستمر طويلًا، لا سيّما في ظل توقّعات بارتفاع كبير في الأسعار نتيجة تزايد الطلب مقابل النقص الحاد في الكميات المتوفّرة. ويُخشى أن تصل الأمور إلى مرحلة تعجز فيها حتى صهاريج المياه الخاصة عن تلبية الحاجات، بسبب محدودية المصادر المائية وصعوبة التوزيع.
وفي الشمال، بدأت ملامح الأزمة تتجلّى بوضوح في مدينة طرابلس، حيث أصدرت مؤسسة مياه لبنان الشمالي بيانًا رسميًا أعلمت فيه المواطنين أنها ستبدأ بتطبيق برامج تقنين في توزيع مياه الشرب والري، على أن يُعلن عن تفاصيلها تباعًا. هذا الإعلان أثار غضب سكان المدينة الذين يعانون أصلًا من نقص مزمن في المياه، معتبرين أن فرض مزيد من التقنين في هذا التوقيت يزيد الطين بلّة.
وفي هذا السياق، تواصل “ليبانون ديبايت” مع أحد فعاليات مدينة طرابلس، الذي حذّر من أن المدينة “على موعد قريب مع كارثة حقيقية”، مشيرًا إلى أنّ “نقص المياه بهذه الحدة لم يكن يظهر عادة في هذا الوقت من العام، بل في أواخر الصيف”.
وأضاف: “ما نشهده اليوم هو نتيجة مباشرة للتراجع الحاد في كميات المتساقطات، لكن المسؤولية لا تقع على المواطن فقط، بل تتحمّلها أيضًا مؤسسة المياه والدولة التي لم تضع أي خطة طارئة لمعالجة هذا الخطر الداهم”.
وبين غياب السياسات المستدامة، وعدم الجهوزية الرسمية، يقف اللبنانيون أمام تحدٍّ جديد يهدد أمنهم المائي والغذائي، ويضيف أزمة إضافية إلى قائمة الأزمات المتراكمة التي أثقلت كاهلهم في السنوات الأخيرة.