يترقب لبنان بحذر ماذا ستحمل الأيام المقبلة من تصعيد أو هدوء للجبهة التي فُتحت بين إسرائيل وإيران ومدى انعكاس ذك على الوضع اللبناني لا سيما الإقتصادي منه في ظل خوف دائم من إنخراط حزب الله في القتال ضد اسرائيل في حال توسعت الحرب.
في هذا الإطار يلفت الباحث الإقتصادي الدكتور محمود جباعي، في حديث لـ”ليبانون ديبايت”، إلى أن لبنان خرج حديثًا من حرب كبيرة ، استمرت 66 يومًا، بالإضافة جبهة الإسناد وأسفرت عن خسائر مادية جسيمة تُقدّر بحوالي 14 مليار دولار، بين أضرار مباشرة وغير مباشرة. وحتى اليوم، لا يزال ملف إعادة الإعمار غير واضح المعالم. في ظل هذا الواقع، فإن اندلاع حرب جديدة على الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية، لا قدّر الله، سيكون له تداعيات اقتصادية ومالية كارثية على لبنان من جميع الجوانب.
ويرجح أن دخول لبنان في مثل هذا الصراع يعني ضربة قاضية، إذ أن انخراطه في هذه الحرب الجديدة سيؤدي إلى مزيد من الانهيار الاقتصادي. وبالتالي، من الضروري أن يسعى لبنان بكل الوسائل إلى تجنب الانزلاق في هذه المواجهة، وأن يبقى خارج دائرة الصراع قدر الإمكان، لما لذلك من أهمية قصوى في ظل الواقع المالي والاقتصادي الهش.
وينبّه الى أنه لا يلوح في الأفق، اليوم، أي أمل واضح لإعادة الإعمار، وسط استمرار التعقيدات في المشهدين السياسي والاقتصادي. ولبنان ما زال يعيش تحت وطأة الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت بسبب حرب الإسناد الأخيرة، والتي انعكست بوضوح على الوضعين المالي والاقتصادي، وأدت إلى مزيد من التخبط والانهيار.
وفي حال تطورت الحرب الإيرانية إلى نزاع إقليمي واسع، فيشير، إلى أنه سيكون لذلك تأثير اقتصادي مباشر على لبنان والمنطقة ككل، وأولى الانعكاسات المتوقعة هي ارتفاع أسعار النفط، حيث من المرجح أن ترتفع الأسعار لتتجاوز عتبة 100 دولار للبرميل إذا اتسعت رقعة الحرب. هذا الارتفاع سينعكس فورًا على أسعار المحروقات، مما سيؤدي بدوره إلى زيادة عامة في الأسعار قد تتراوح بين 10% و15%، وقد تصل حتى 20%، نتيجة ارتفاع كلفة النقل والطاقة.
ويعتبر أن هذا الوضع سيكون بالغ الخطورة بالنسبة للبنان، خصوصًا في ظل التضخم القائم وواقع “الاقتصاد النقدي” (الكاش إيكونومي) الذي يطغى على السوق اللبناني، ما سيؤدي إلى مزيد من الضغوط على الأسر والقطاعات الحيوية، قطاع المحروقات سيكون أول المتضررين، وسيتبعه ارتفاع في كلفة السلع والخدمات المستوردة، لا سيما في حال تأثرت خطوط الإمداد مثل مضيق هرمز، وهو أمر وارد في حال تصاعدت وتيرة الحرب.
وينبّه إلى أن أي تصعيد سيقود حتماً إلى ردود فعل تلقائية مثل التخزين والاحتكار، ما قد يفاقم الأزمة داخليًا، ومن هنا، على لبنان أن يتعامل بحذر بالغ، وأن يتخذ موقفًا واضحًا وموحدًا عبر مؤسسات الدولة بأن لا علاقة له بهذه الحرب، لا سياسيًا ولا عسكريًا، وأنه ملتزم الحياد التام.
ويؤكد أن هذا الموقف يجب أن يُترجم عمليًا بتنسيق كامل بين رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، لتأكيد أن لبنان لا يمكنه تحمل تبعات الدخول في أي نزاع، وأنه غير معني بهذه الحرب لا من قريب ولا من بعيد، حرصًا على أمنه واقتصاده واستقراره.
وفي ظل التوتر الإقليمي القائم، يرى الدكتور جباعي أن فرص الاستثمار في المنطقة ستتقلّص إلى حدّ كبير، فليس هناك من سيخاطر بضخ استثمارات في ظل حرب مفتوحة، لذلك، يأمل أن تنتهي هذه الحرب بأسرع وقت ممكن، وأن يعمّ السلام والاستقرار، لأن المنطقة بأكملها لم تعد تحتمل المزيد من الحروب والكوارث، وهو ما ستكون له انعكاسات سلبية شاملة، اقتصادية واجتماعية، على جميع دول المنطقة، وخاصة لبنان.
وعلى صعيد لبنان فلا يخفي سراً أنه يعاني أصلًا من أزمة مالية واقتصادية عميقة، ويسعى جاهدًا للخروج منها بمختلف الوسائل، وأي تصعيد إضافي سيقوّض هذا السعي، إذ سيتأثر الوضع المعيشي وفرص العمل بشكل كبير، حتى لو بقي لبنان بعيدًا عن المواجهة العسكرية المباشرة، إلا أن الاقتصاد اللبناني سيُصاب في العمق، خصوصًا أن أكثر من 85% من استهلاك لبنان معتمد على الاستيراد، ومع توسع الحرب سيزداد تأثره بسلاسل التوريد، لا سيما تلك القادمة عبر البحر المتوسط.
ويخلص الدكتور جباعي إلى أن الانعكاسات ستطاول حياة المواطنين بشكل مباشر، من خلال التضخم وارتفاع الكلفة، وتأثر المؤسسات وفرص العمل، لذلك، ما يمكن أن يقوم به لبنان الآن هو اتخاذ كل الإجراءات الممكنة للنأي بنفسه عن هذه الحرب، مع الأمل والدعاء بأن لا تتوسّع رقعتها، ولا تطال لبنان على أي صعيد، لا أمنيًا ولا عسكريًا ولا اقتصاديًا.