كتبت جوزفين ديب في أساس ميديا:
ليس تفصيلاً ما قاله علناً وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس بعد الغارات الإسرائيلية الأخيرة على مناطق في الضاحية الجنوبية لبيروت. فهو اختار أن يتوجّه إلى رئيس الجمهورية بالقول: “إذا لم تفعلوا المطلوب فسنواصل العمل بكلّ قوّة”، مطالباً الحكومة اللبنانية بنزع سلاح “الحزب”.
هذا الكلام الذي ردّ عليه لبنان مباشرة ببيانات صدرت عن الرئاسات الثلاث وبدت متناغمة، حوَّل المعادلة السابقة من “حرب إسرائيلية على الحزب” إلى “حرب إسرائيلية على لبنان”. فبين الأمس واليوم، تغيّر الكثير. في الجولة الأولى من الحرب الإسرائيلية قبل توقيع لبنان على اتّفاق وقف إطلاق النار لم تكن في لبنان سلطة مكتملة، فلا رئيس منتخباً ولا حكومة أصيلة، وكان الرئيس ميقاتي حريصاً على تحديد أطر علاقة الدولة بحرب الإسناد، نافياً أن يكون للحكومة أيّ قرار في الحرب والسلم.
جاء انتخاب جوزف عون نتيجة لمعادلة جديدة أرساها اتّفاق وقف إطلاق النار، وفق أجندة حدّدها الرئيس في خطاب قسمه. وعليه بدأت المحاسبة بعد أشهر من عمر العهد، وراحت إنذارات الحرب تشير إلى تبدّل المعادلة لتصبح حرباً إسرائيلية على لبنان بسلطته المسؤولة عن كلّ الفصائل المسلّحة، ومن بينها “الحزب”.
عون: “لا للبنان صندوق بريد”.. وواشنطن مستاءة منه
كما كان كلام كاتس واضحاً وعالي السقف، كذلك كان موقف رئيس الجمهورية الذي وضع هذه الغارات في صندوق البريد الإسرائيلي الأميركي. كلام عون جاء على خلفيّة الكلام عن اختلاف في واشنطن على المقاربة اللبنانية والكلام عن إقالة شخصيّات مقرّبة من إسرائيل.
في معلومات “أساس” أنّ هذا الموقف من عون لم يلقَ استحساناً في دوائر واشنطن التي تعتبر أنّ أداء السلطة جمعاء في لبنان ليس كافياً ولا يتماهى مع ما هو مقبل على لبنان، ومع ما قد وُضع على الطاولة يوم أُبرم اتّفاق وقف إطلاق النار.
بغضّ النظر عن صحّة أو عدم صحّة مقاربة رئيس الجمهورية، ما هو مقبل على لبنان بحسب المعلومات من واشنطن مقلق جدّاً. وبات البلد مقبلاً على استحقاقات داهمة تحت النار. بالأمس سقطت تسعة أبنية سكنية بكاملها وتضرّر أكثر من 200 مبنى ومؤسّسة وسيّارة. وغداً لا خطوط حمر ستلزم الإسرائيلي بضوابط في غاراته تحت أيّ مسمّى، أكان التنسيق مع “الميكانيزم” سيّئاً أو حسناً، فلا فرق. وهذا بدأ يضع الرئيس والحلقة الضيّقة جدّاً التي تتولّى معه إدارة هذه الملفّات من بعبدا أمام مسؤوليّات جمّة.
عون والجيش: مواجهة وتحذير
نشرت صحيفة “the times of Israel” مقالاً عن غارات الضاحية الجنوبية الأخيرة. وفي هذا المقال قالت الصحيفة نقلاً عن مسؤولين إسرائيليّين إنّ “الجيش اللبناني أُبلغ بمواقع طائرات “الحزب” المسيّرة قبل أسبوع من الضربات، لكنّه لم يتحرّك”.
قبل المقال كانت إسرائيل بدأت بتسريب هذه الرواية فأتى بيان الجيش اللبناني لافتاً في سقفه العالي وتصعيده بوجه “الميكانيزم” والإسرائيلي. قالت مصادر عسكرية لـ”أساس” إنّ رفع السقف جاء ردّاً على سوء التنسيق مع اللجنة. إذ قالت المصادر العسكرية إنّ البلاغات التي تأتي من لجنة المراقبة تكاد تكون يوميّة. وفي اليوم الذي أغارت فيه إسرائيل على أربعة مواقع في الضاحية، جاء بلاغ من اللجنة عن موقع في الليلكي، فتوجّه الجيش الساعة الواحدة ظهراً إلى هناك ودخل الموقع وصوّر وأرسل الصور إلى لجنة المراقبة ليقول لها إنّه لم يجد أيّ أسلحة أو موادّ تصنيع أو مسيّرات. وبعد خروجه من المنطقة فوجئ الجيش بتحذيرات المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي تشمل مواقع مختلفة عن ذلك الذي دخله. توجّه الجيش فوراً إلى تلك المواقع، لكنّه سرعان ما انسحب بعد بدء الغارات التحذيريّة حفاظاً على أرواح العسكر.
هكذا لم يعطَ الجيش الوقت الكافي ليدخل المواقع ويقدّم تقريره. وبناء عليه، كان بيان الجيش تحذيريّاً من أنّ استمرار العمل بهذا الشكل سيدفع به إلى التوقّف عن التعاون مع اللجنة، إذ لا يمكن أن يبلَّغ بموقع ويُقصف موقع آخر، أو أن يبلَّغ من أفيخاي من دون أن يُعطى الوقت الكافي لتقديم تقريره.
ليس جديداً تناقض الروايات بين لبنان وإسرائيل، لكنّ الثابت أن لا أحد يستطيع أن يواجه ما تخطّط له تل أبيب تجاه لبنان بعد وضعها هدف نزع سلاح “الحزب” أولويّة في لبنان. وهذا ما على لبنان أن يتعامل معه بموقف حاسم في المرحلة المقبلة التي لن تتوقّف فيها إسرائيل عن غاراتها قبل أن ترى ما تعتبره جدّيّاً في مسار نزع سلاح “الحزب”.