كتب سعد الياس في “القدس العربي”:
فيما العين على الميدان في الجنوب من جهة وعلى نتائج وساطة الموفد الأمريكي آموس هوكشتاين من جهة أخرى، فإن كلمة أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم التي ألقاها في آخر اطلالة له حظيت بمتابعة وقراءة متأنية نظراً لما تضمنته من رؤية للوضع الحالي ومن تصوّر لليوم التالي للحرب. وتركزت كلمة قاسم على 3 محاور أساسية: وضع الميدان، المفاوضات، ومرحلة ما بعد الحرب، حيث بعث بأكثر من رسالة إلى الخارج والداخل. وحرص الشيخ نعيم في المحور الأول على رفع معنويات مقاتلي «الحزب» في الحافة الأمامية للجبهة وعلى إبراز تعافي «الحزب» بعد الارباك الذي عاشه نتيجة اغتيال السيد حسن نصرالله وقيادات عسكرية وقدرته على الصمود والقتال وخوض معركة طويلة مهما ارتفعت الكلفة واستعادة معادلة «تل أبيب مقابل بيروت».
وفي المحور الثاني، حرص الشيخ نعيم على إظهار تماسك «حزب الله» وقدرته على رفض الشروط الإسرائيلية وعدم إعطاء نتنياهو بالسياسة ما لم يستطع أخذه في الميدان، مؤكداً التناغم في الملاحظات بين «الحزب» والدولة اللبنانية، مشيراً إلى «أن التفاوض يتم تحت سقفين رئيسيين: الأول هو وقف العدوان بشكل كامل وشامل، والثاني ضمان الحفاظ على السيادة اللبنانية».
أما المحور الثالث والأهم فهو الذي تناول فيه الشيخ نعيم ما يشبه خريطة طريق لمرحلة ما بعد الحرب موجهاً رسالة إلى الداخل اللبناني الذي بدأ يطرح علامات استفهام حول مصير سلاح «حزب الله» وكيفية تعاطيه في اليوم التالي لانتهاء المعارك. وقد عرض قاسم 4 نقاط أساسية أبرزها العمل السياسي تحت سقف اتفاق الطائف وتسهيل انتخاب رئيس الجمهورية.
وجاءت النقاط الأربع على الشكل الآتي:
1-سنبني معاً بالتعاون مع الدولة وكل الشرفاء والدول والقوى التي ستساعد من أجل إعادة الإعمار ويعود كل لبنان أجمل.
2-سنقدم مساهمتنا الفعالة لانتخاب رئيس الجمهورية من خلال المجلس النيابي بالطريقة الدستورية.
3- ستكون خطواتنا السياسية وشؤون الدولة تحت سقف الطائف بالتعاون مع القوى السياسية.
4- سنكون حاضرين في الميدان السياسي بقوتنا التمثيلية والشعبية وحضورنا الوازن لمصلحة الوطن لنحمي ونبني.
وقد تمعّن كُثر في تحليل ما ورد في هذه النقاط وخلفياتها وما إذا كانت تعني مراجعة سياسية وعودة للعمل تحت كنف الطائف. ورأى بعضهم «أن هذه النقاط كأنها كانت مطلوبة من أمين عام حزب الله لمعرفة كيفية التعاطي مع الحزب في المرحلة المقبلة». وأجمعت القراءات على ما يلي:
النقطة الأولى كانت موجهة للبيئة الشيعية تحديداً لطمأنتها إلى إعادة بناء ما تهدّم وتعويض الخسائر الكبيرة التي حلّت بقرى الجنوب والبقاع وبالضاحية الجنوبية. وفي هذا الإطار، يتداول مقرّبون من «الحزب» أحاديث عن تخصيص إيران حوالي 5 مليارات دولار لإعادة الإعمار وتقديم مساعدات بعدما تولّت دول خليجية مسألة إعادة الإعمار بعد حرب تموز/يوليو 2006.
النقطة الثانية المتعلقة بالمساهمة في انتخاب رئيس، تظهر أن «حزب الله» كان مساهماً في عرقلة انتخاب الرئيس من خلال تعطيل النصاب وفرض الحوار شرطاً للذهاب إلى جلسة انتخابية، فيما غاب شرط الحوار راهناً وغاب شرط الرئيس الذي لا يطعن ظهر المقاومة خلافاً لكل السردية السابقة التي سادت بفعل فائض القوة.
النقطة الثالثة وهي الأبرز تعني للمرة الأولى مقاربة «حزب الله» العمل من باب احترام اتفاق الطائف علماً أن هذا الاتفاق ينص على نزع سلاح كل الميليشيات خصوصاً إذا انتفت الحاجة إلى السلاح مقابل المشاركة السياسية في السلطة القائمة على المناصفة وعدم تخصيص وظيفة أو وزارة لأي طائفة. وفي هذه النقطة رسالة إلى الدول العربية ومقدمة للقبول بحوار حول المرحلة المقبلة.
النقطة الرابعة هي تعبير عن الاستعداد للانتقال إلى العمل السياسي من خلال الاعتماد على التمثيل الشعبي ولو أن البعض رأى في عبارة «نحمي ونبني» رغبة في الاحتفاظ بالسلاح شمال نهر الليطاني بعد إخراج السلاح من المعادلة جنوباً.
وإذا كان الشيخ نعيم لم يأت في كل النقاط على ذكر كلمة سلاح، فإن معارضين للحزب يتخوفون من وجود مناورة توحي باستعداد للتخلي عن السلاح في الوقت الراهن تجاوزاً للعاصفة السياسية حول مصير السلاح. ويعتقد معارضون أن ما حمل أمين عام «حزب الله» على عرض رؤيته هو رغبته في وقف فوري لإطلاق النار لأنه لم يعد يحتمل استمرار الحرب ويخشى من مواصلة الجيش الإسرائيلي تقدمه في القرى الجنوبية بعد تجاوز الخط الحدودي الأمامي وهو ما سيعزز عندها أوراق الاحتلال. لذلك، فهو كما فعل في حرب تموز بالموافقة على القرار 1701 على الورق يلجأ إلى إبداء موافقته على الورقة الأمريكية المقترحة مع بعض الملاحظات المتعلقة بلجنة الرقابة على تنفيذ القرار الدولي وعلى حرية الحركة الإسرائيلية وعلى الحدود، على أن يعمد في مرحلة لاحقة إلى الالتفاف على ما وافق عليه ريثما يكون الضغط العسكري قد توقف وريثما تكون المهلة الفاصلة عن تسلم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب قد مرّت وتراجع التركيز الدولي على لبنان.
غير أن المعارضين يعتبرون أن المجتمع الدولي بات يعلم بالمناورات التي يخطط لها «حزب الله» من هنا التركيز على لجنة الإشراف على تنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته، إضافة إلى أن الكثير من القوى السياسية والشعبية وعلى رأسهم الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بدأوا يعترضون على سياسات الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان ويرفضون الاستمرار بجعل لبنان ساحة للتفاوض مع الأمريكيين على الملف النووي الإيراني.