شهران يفصلان عن انتهاء الولاية الممددة لقائد الجيش العماد جوزف عون في العاشر من كانون الثاني المقبل، ولا يزال هذا الاستحقاق محل تجاذب على الساحة الداخلية بين من يؤيد هذا الخيار خشية من شغور هذا الموقع في ظروف استثنائية تتطلب وجود قيادة قادرة على التعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية على الحدود كما على الساحة الداخلية، وبين من يعارض تخوفاً من أن يحسن هذا القرار من حظوظ القائد في الوصول إلى قصر بعبدا.
وكتبت سابين عويس في ” النهار”: خرق هذا التجاذب حزب “القوات اللبنانية” عبر وضع الملف على الطاولة، من خلال تقدم تكتل “الجمهورية القوية” باقتراح قانون يرفع سن تقاعد قائد الجيش إلى ٦٢ عاماً، من دون أن يدفع رئيس المجلس نبيه بري إلى الكشف عن نيّته إدراج هذا الاقتراح على جدول أعمال هيئة عامة أو لا.
العارفون بحقيقة موقف رئيس المجلس يؤكدون أن الرجل لا يقف في طريق التمديد، ولكنه يرفض الآلية اليتيمة المقترحة من القوات اللبنانية، أولاً لأنه يفضل أن يشمل الاقتراح كافة قادة الأجهزة الأمنية الذين استفادوا من قانون تمديد الولاية الصادر العام الماضي، كما يفضل أن يأتي نتيجة إجماع القوى السياسية لا من فريق واحد.
من هنا، يجري العمل حالياً على أن تتقدم كتل أخرى باقتراحات.
وعلم أن “كتلة الاعتدال الوطني” في صدد مناقشة داخلية للتقدم باقتراح مماثل للاقتراح السابق، أي التمديد لكل قادة الأجهزة، فيما يجري التداول باقتراح قد يتقدم به رئيس لجنة الدفاع النيابية، ويُنتظر أن يشمل التمديد أيضاً كل الضباط في الجيش والمؤسسات الأمنية من رتبة عميد وما فوق، بمن فيهم الذين أحيلوا إلى التقاعد في ٢٠٢٣ و٢٠٢٤ ومن سيحالون بعد ٢٠٢٤، وذلك ضمن مبدأ المساواة وشمولية القوانين، كما اقترح النائب جميل السيد.
في المقابل، لمس بري اهتماماً أميركياً بأهمية التمديد لعون ضمن سلة تشمل قادة الأجهزة خشية من الشغور الذي بات يستفحل في غالبية المواقع القيادية. وقد عبّرت عن هذه الخشية السفيرة الأميركية ليزا جونسون، التي تناولت هذا الموضوع مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. وعُلم أن هذا الموقف يبلغه ممثلو دول عدة غربية وعربية أبرزها فرنسا والسعودية وبريطانيا.
وفيما تردد في أوساط فريق “حزب الله-أمل” أن ثمة انزعاجاً من طريقة تعامل الجيش مع حادثة إنزال البترون، وقد عبّر عنه صراحة الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، نُقل عن بري أنه أبدى أمام عون انزعاجه، لكن أوساطاً مطلعة نفت أن يكون هذا الموضوع تم التطرق إليه إلا من باب الاستفسار، كما لم يتم التطرق إلى موضوع التمديد.
وفي رأي مصادر مواكبة، إن بري يتريّث في إبداء أي موقف واضح حيال موضوع التمديد في انتظار بلورة اقتراحات القوانين والتفاهم حولها، وما إن كانت ستقتصر على القادة أو تشمل العمداء والضباط، علماً بأن بعض المعلومات تشير إلى الخيار الأول على غرار التمديد الأول العام الماضي. وتعتقد المصادر أن رئيس المجلس يسعى إلى استغلال هذا الموضوع لمقايضته ربما بمشاريع لا تزال عالقة ويسعى إلى إقرارها.
وكتب الان سركيس في” نداء الوطن”: اليوم تتجدّد الحملة “الممانعة” على قائد الجيش الذي نجح منذ تعيينه في ضبط مزاريب الهدر في المؤسسة وإجراء إصلاح جذري في المدرسة الحربية ومنع التدخّلات السياسية في التشكيلات داخل المؤسسة. وتعود هذه الحملة التي وصلت إلى حدّ مهاجمة الأمين العام لـ”حزب اللّه” الشيخ نعيم قاسم مباشرةً الجيش على خلفية حادثة البترون لأسباب عدّة أبرزها سياسية ورئاسية واستدراك لمرحلة ما بعد الحرب.
ويشكّل الملف الرئاسي العنصر الأول الذي تستهدف به “الممانعة” قائد الجيش. ويحتل القائد صدارة المرشحين حسب اعتراف سفراء الدول الخمسة، ويتمتع بغطاء مسيحي من البطريرك مار بشارة بطرس الراعي وأطراف وازنة. وتحاول “الممانعة” إبعاد عون عن السباق الرئاسي بحجة أنه رئيس قوي ولا تستطيع التحكّم به ويتمتّع بعلاقات عربية ودولية هي الأقوى.
وتبيّن الحملة على جوزيف عون أيضاً خوف “حزب اللّه” من المرحلة المقبلة، وتحاول الحملة توجيه رسائل إلى عون كي يسير وفق إرادة من تبقى من “الحزب”، وبالتالي، الحملة على القائد لا تستهدف فقط عون المرشح إلى الرئاسة بل صورة الدولة التي قد تسترجع قوتها وحضورها، وبالتالي هذا الواقع الجديد لا يعجب “الممانعة” التي تريد إبقاء سيطرتها على البلاد ولن تقبل بأي رئيس أو قائد جيش يعيد للدولة هيبتها.
عمل الجيش اللبناني بقيادة عون للحفاظ على ثروة لبنان البحرية، ودعا الدولة للتفاوض على الخطّ 29، لكن مصلحة السلطة جعلتها تقدّم التنازلات وتتخلّى عن قسم من حقّ لبنان وعادت إلى الخطّ 21 وذلك لإرضاء واشنطن وخوفاً من العقوبات، ولأن مصلحة الراعي الإقليمي لبعض القوى التي تخوّن جوزيف عون كانت تقتضي ذلك.
ومهما بلغت حملات التخوين، فالجيش يسير وفق خطة واضحة هدفها حماية السلم الأهلي ومنع التدخّلات السياسية فيها والحفاظ على وحدة المؤسسة التي يحاول البعض التهويل بفرطها ما يشكّل ملاقاةً للعدوان الإسرائيلي، والتحضير لخريطة طريق ما بعد انتهاء الحرب. القرار اتخذ وجوزيف عون الجنرال المتمرّد للحقّ ولمشروع الدولة لن يخضع للتهديد ولا يخاف من التهويل. فهو لم يختر الانخراط في حرب دمّرت البلاد، ولا ينفّذ أجندات أجنبية. المساعدات التي تتدفّق على الجيش وخصوصاً من الولايات المتحدة الأميركية تحصل بغطاء من السلطة السياسية، ولا أحد من هذه السلطة يتجرأ على الطلب من القيادة العسكرية وقف تلقّي المساعدات، وأيضاً يحاول معظم الذين ينتقدون عون إما تحسين علاقاتهم بالأميركيين، أو أنهم يفاوضونهم بشكل مباشر أو غير مباشر سواء في الداخل أو عبر وكلائهم.