أعلنت إسرائيل الشهر الماضي عن استهدافها لجمعية القرض الحسن اللبنانية، وهي مؤسسة خيرية تقدم قروضًا صغيرة بلا فوائد، مما أثار موجة من البحث والقلق بين اللبنانيين. الجمعية التي اكتسبت شهرة خلال السنوات الأخيرة جراء العقوبات الأميركية والانهيار الاقتصادي في لبنان، كانت تعمل بشكل رئيسي في تقديم القروض للأفراد الذين استُبعدوا من النظام المصرفي التقليدي.
في مساء الهجوم، ضربت الطائرات الإسرائيلية نحو 30 فرعًا من فروع الجمعية المنتشرة في مختلف أنحاء لبنان، بما في ذلك بعض المناطق المدنية التي تعد معاقل لحزب الله. ووفقًا للجيش الإسرائيلي، تهدف هذه الهجمات إلى “تدمير قدرة حزب الله على تمويل أنشطته العسكرية”، وهو ادعاء نفته الجمعية، التي أكدت أنها تعمل بشكل مستقل ولا تقوم بتمويل أي أنشطة.
الضربات على جمعية القرض الحسن ليست الأولى من نوعها، حيث استهدفت إسرائيل العديد من المنظمات المدنية المرتبطة بحزب الله مثل الهيئة الصحية الإسلامية، التي تدير مراكز طبية ومستشفيات في لبنان. الحملة العسكرية الإسرائيلية شملت أيضًا مهاجمة فرق البحث والإنقاذ التابعة للهيئة، ما أسفر عن مقتل العديد من العاملين في المجال الإنساني.
تعكس هذه الهجمات توجيهًا عسكريًا واضحًا ضد “بيئة” حزب الله أو القاعدة الاجتماعية للحزب، والتي تشمل الفئات الشعبية في الجنوب اللبناني، سهل البقاع، والضواحي الجنوبية لبيروت. خبراء في السياسة اللبنانية يرون أن هذه الهجمات ليست مجرد رد على الأنشطة العسكرية لحزب الله، بل أيضًا محاولة لتقويض الدعم الشعبي للحزب، الذي يعتمد بشكل كبير على شبكة من المؤسسات الاجتماعية والخيرية.
من الناحية القانونية، يعتبر العديد من الخبراء أن الهجمات على البنية التحتية الاقتصادية مثل جمعية القرض الحسن تمثل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، الذي يطالب بتمييز واضح بين الأهداف العسكرية والمدنية. المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان، بن سول، حذر من أن “الهجمات على البنية التحتية الاقتصادية تفتح الباب أمام حرب شاملة ضد المدنيين”.
منذ تأسيس جمعية القرض الحسن في أوائل الثمانينيات، قدمت الجمعية الدعم المالي للأسر اللبنانية، خصوصًا تلك المتأثرة بالأزمات الاقتصادية والسياسية في البلاد. وفي خضم الانهيار الاقتصادي اللبناني في 2019، ازداد الطلب على خدمات الجمعية بعد فرض العقوبات الأميركية على بنوك ومؤسسات مرتبطة بحزب الله. الجمعية أصبحت واحدة من الملاذات المالية للبنانيين الذين فقدوا الثقة بالنظام المصرفي التقليدي.
بالإضافة إلى استهداف المرافق المدنية، تتعرض المجتمعات اللبنانية للقصف المتواصل من قبل إسرائيل، ما يدفع بالعديد من السكان، خاصة في المناطق الجنوبية والبقاع، إلى النزوح. هؤلاء النازحون يواجهون ظروفًا صعبة في الملاجئ والمباني الفارغة، في ظل تهديدات متواصلة بالقصف العشوائي.
إسرائيل تسعى من خلال هذه الهجمات إلى تعزيز استراتيجية “عقيدة الضاحية”، التي تقضي باستخدام “القوة غير المتناسبة” ضد المناطق التي تعتبرها إسرائيل معاقل لحزب الله. يعتقد الخبراء أن هدف إسرائيل هو الضغط على المواطنين اللبنانيين لتقويض الدعم الشعبي لحزب الله، وخلق بيئة معادية له داخل لبنان.
تستمر الضغوط على المجتمع اللبناني، حيث أصبحت المنظمات المدنية مثل جمعية القرض الحسن هدفًا رئيسيًا في الحرب المستمرة بين حزب الله وإسرائيل. ورغم التبريرات الإسرائيلية لهذه الهجمات، فإن العواقب الإنسانية والسياسية تثير تساؤلات قانونية وأخلاقية حول شرعية هذه الهجمات ضد المدنيين اللبنانيين.