كتب جان بيار وهبه في موقع Jnews Lebanon
شنَّت إسرائيل عبر سلاح الجو بعدَ السادسة صباحًا من يوم 23 أيلول 2024 وحتى نهاية اليوم نفسه مئات الغارات الجوية التي قالت إنها تستهدفُ مواقع لحزب الله في لبنان. سمَّت إسرائيل هذه العملية باسمِ عملية سهام الشمال وفي ما بعد اطلق عليها اسم “حرب القيامة”، وزعمت أنّ هدفها تمكين المستوطنين الإسرائيليين في مستوطنات الشمال من العودة بعدما هجَّرهم حزب الله بفعل صواريخه منذ الثامن من تشرين الأول 2023 في إطار “جبهة الإسناد” التي فتحها دعمًا لفصائل المقاومة الفلسطينيّة في غزة عقبَ إطلاق الأخيرة عملية طوفان الاقصى.
وبعد أكثر من شهر من بدء العدوان، لم يأبه الاسرائيلي للمدنيين أم للصحافيين، فكان الاستهداف المباشر مرات عدة، آخرها عندما قامت بإستهداف مقر اقامة عدد كبير من الصحافيين في منطقة حاصبيا في لبنان إذ سقط ضحية الاستهداف مصور قناة الميادين غسان نجار، والتقني في القناة محمد رضا ومصور قناة المنار وسام قاسم.
وقد وثق عدد كبير من الزملاء القاطنين في المقر حجم الاضرار بعد الضربة بثوان.
الي ذلك، وثق مراسل قناة الجديد محمد فرحات الغرفة التي كان يسكنها والتي طاولها الاستهداف من خلال فيديو نشره، بحيث يظهر حجم الدمار الكبير الذي تعرضت له الغرفة ونجاته بأعجوبة من العدوان بوجه سلاح الكلمة والصورة التي على ما يبدو ترعب العدو.
روت مراسلة الـMTV يمنى فواز، بعد الاطمئنان عليهم، أن الصحافيين إختاروا هذه المنطقة لانها أكثر أماناً ولم يتم أي اعتداء سابق، فالمكان الذي استهدف كانت الدول والجهات المعنية لديها علم به، وذلك للحفاظ على سلامتهم. استيقظنا على الاصوات والاغراض والابنية فوقنا عندها تأكدنا ان الغارة على مقررنا وسط صوت الطيران الاسرائيلي القوي.
استشهدوا الواحد تلو الآخر
بعد الطائف، لم تتوقف الاغتيالات والاستهدافات التي طاولت 8 صحافيين لبنانيين من وسائل اعلامية مختلفة.
ففي 15 كانون الثاني 1992 اغتال مسلحان الكاتب والباحث مصطفى جحا بإطلاق النار عليه في سيارته قرب منزله في السبتية. وكان جحا أوصل ابنه صباحاً إلى “كلية الشرق الأوسط” وعاد في اتجاه منزله. على الطريق اعترضته سيارة مجهولة الرقم والنوع فيها ثلاثة مسلحين، ترجل منهم اثنان وتقدما نحو سيارته حيث كان وراء المقود وأطلقاً عليه وابلاً من رصاص مسدسين مزودين كاتمين للصوت.
عند اندلاع الحرب العام 1975 كان الكاتب المؤيد لحزب الكتائب آنذاك هرب من المنظمات الفلسطينية في منطقته صور إلى الدامور أيضاً، ومنها إلى ما كان يعرف آنذاك بـ”الشرقية”.
وفي العام 1993، شنّت إسرائيل عملية جوية عرفت بعملية “تصفية الحساب” ضدّ حزب الله في الجنوب اللبناني، فكان من ابرز شهدائها مراسل قناة “المنار” أحمد حيدر.
وفي صيف العام 2005، وتحديداً في الثاني من حزيران، اغتيل محرّك “انتفاضة الاستقلال 2005” ومطلق هذا الشعار الزميل في “النهار” سمير قصير في انفجار داخل سيارته في منطقة الأشرفية، فأصبح قصير شهيد هذا الشعار وشهيد “ربيع بيروت” الذي نادى به وانتظره طويلاً قبل ان تفجّره يد الغدر.
حزن “النهار” لم يتوقف هنا، وكأن قدرها أن تقدّم الشهداء على مذبحة الحرية والسيادة والاستقلال. فصباح 12 كانون الأول 2005، فجّر الحقد الاعمى والارهاب فارس “النهار” جبران تويني بتفجير سيارته في المنطقة الصناعية في المكلّس، فاستشهد على الفور مع إثنين من مرافقيه اندريه مراد ونقولا الفلوطي.
لم يعد رئيس مجلس ادارة “النهار” المدير العام النائب جبران تويني “مشروع شهيد” كما كان يشعر دائماً، بل أصبح شهيد لبنان العظيم الذي دافع عنه حتى الشهادة.
في 25 أيلول 2005 تعرّضت الاعلامية مي شدياق لمحاولة تفجير سيارتها مما تسبّب في فقدانها ساقها اليسرى وذراعها وذلك بعد ستة أشهر على اغتيال رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري. لم تعد إعلامية وصحافية بل أصبحت “الشهيدة الحية”، فاستمرت بعد العلاج الطويل، بقول الحق والحقيقة.
أما في 22 تموز 2006 ، لم يضع حداً للانتهاكات الإسرائيلية، فاستشهد مراسل جريدة “الأخبار” عساف بو رحال بعدما استهدفه الرصاص الإسرائيلي خلال متابعته للإعتداء الاسرائيلي على منطقة العديسة في 3 آب العام 2010 واشتباك القوات الاسرائيلية مع الجيش اللبناني.
عثر في 4 شباط 2021 على جثة الناشط والناشر اللبناني لقمان سليم داخل سيارته في جنوب لبنان مقتولاً بإطلاق النار عليه.
ولقمان سليم، وهو من الطائفة الشيعية، كاتب وناشط سياسي معارض لحزب الله سبق أن تلقى تهديدات بالقتل بسبب مواقفه وكتابته وصلت لحد كتابة التهديد بالقتل على جدران منزله.
أمام كل ما تقدم تعددت الجهة المعتدية على الصحافيين ولكن السبب واحد.
السبب واضح بكل بساطة لان “الشمس شارقة وناس قاشعة” هو خوف المعتدي من الصوت الحر بوجه طغيانهم، هو خوف من القلم أمام أسلحتهم الفتاكة التي تغتالهم فيروون بدمهم ارض لبنان المجبول بالكرامة والعنفوان، فهو خوف من صورتهم التي تنقل بشاعة الموقف وبشاعة أعمالهم.
في الختام، تبقى الكلمة في وجه السلاح، يبقى الصوت الحر سيداً على سلاح، ويبقى لبنان بلدًا سيدًا حرًا مستقل على الرغم من كل الاحتلال المهيمن. أتى العثماني وذهب و بقي لبنان، اتى الانتداب ورحل وبقي لبنان، اتى الاحتلال السوري وذهب وبقي لبنان، “كلن فلوا وبقي لبنان”، والان اسرائيل وسلاح الحزب سيذهبون “ويبقى لبنان”.